كتبنا في عدد «الشرق» الأخير، عن ثلاث دول هي: إيران والعراق وسوريا والتي شكّلت ما يسمّى «محور المقاومة والممانعة» وبيّنا كيف كانت تلك الدول الثلاث غنية، وبفضل السياسة التي هي «من العصر الحجري» تحوّلت هذه الدول بين ليلة وضحاها الى دول فقيرة محتاجة، حيث باتت النسبة الكبرى من شعوبها تحت خط الفقر.. وصارت تلك الدول بحاجة الى آلاف المليارات كي تدفع ثمن ما دمرته الحروب فيها. أما اليوم فأنا أريد أن أتحدّث عن بلدي الحبيب لبنان… كيف كان … وكيف أصبح؟!!!
لقد ثبت ان السياسة المتّبعة منذ دخول لبنان في عصر «اتفاقية القاهرة» عام 1969، يوم بدأ العد العكسي للازدهار والتقدّم كانت فاشلة، فلبنان كان سويسرا الشرق على الصعيد المالي وجمال الطبيعة والمناخ المعتدل، بل كان مدرسة وجامعة العالم العربي بلا منازع. ومستشفى العالم العربي… كل هذا شهد تراجعاً بسبب دخول لبنان عهد المقاومة الفلسطينية، الذي قرّره العرب في «مؤتمر القاهرة» حيث أجبر لبنان أن يسمح للفلسطيني بحمل السلاح لتحرير فلسطين من لبنان… ومن تداعيات هذا القرار أنّ الحكم أصبح في لبنان للفلسطينيين، أي الى المقاومة الفلسطينية.
ومنذ البداية بقيت الدولة بدون حكومة.. حيث كان الشهيد رشيد كرامي يومذاك هو الذي جمّد تشكيل الحكومة حتى توافق الدولة اللبنانية على أن يسمح للفلسطينيين بحمل السلاح: لتحرير فلسطين أولاً وثانياً لحماية المخيّمات الفلسطينية… فماذا كانت النتيجة:
أولاً: بدأ الطيران الاسرائيلي يعربد في سماء لبنان ويقوم بتوجيه الصواريخ على كل بيت أو موقع تطلق منه «الكاتيوشا» باتجاه فلسطين، وهكذا أصبح الجنوب اللبناني مسرحاً لعمليات عسكرية بين اسرائيل والفلسطينيين، واللبنانيون وحدهم دفعوا الثمن، والمواطن اللبناني الساكن في الجنوب كان أكثر هؤلاء اللبنانيين تضرّراً.
ثانياً: قامت إسرائيل بتدمير أسطول «طيران الشرق الأوسط» اللبناني في المطار.
ثالثاً: عام 1978 قامت اسرائيل باحتلال جنوب لبنان، وأقامت دولة سعد حداد.
رابعاً: عام 1982 اجتاحت اسرائيل لبنان واحتلت أول عاصمة عربية وهي بيروت بعد حصار دام 100 يوم، وكانت بيروت تُقصف من الجو ومن البحر ومن الدبابات الاسرائيلية في محيط قصر بعبدا.
انتهى العصر الفلسطيني ليأتي عصر السوريين الذين دخلوا ضمن «قوات الردع العربية» التي تحوّلت خلال سنتين الى قوات سورية فقط. وطبعاً بوجود هذه القوات انتهى عهد البندقية الفلسطينية ليأتي عهد «البارودة» السورية والاحتلال الاسرائيلي للبنان. ما ولّد لدى اللبنانيين مقاومة لتحرير الاراضي اللبنانية. وهكذا وبفضل الوجود السوري وُلِدَت المقاومة الوطنية اللبنانية، وكانت مدعوة من إيران على صعيد السلاح وعلى صعيد الدعم المالي، إذ قررت إيران دعم «حزب الله» الذي أنشأته عام 1983 بمليار دولار سنوياً للسلاح ومليار دولار كرواتب ومصاريف استشفاء، وهذا ليس سرّاً إذْ أعلن السيّد حسن نصرالله ذلك في أكثر من خطاب وأكثر من مقابلة.
دخلنا عصر «حزب الله» الذي دخل الى المجلس النيابي في التسعينات، ومن بعدها الى الحكومة، وأصبح البلد محكوماً من قِبَل سلاح حزب الله.
وهكذا بدأ تدمير لبنان اقتصادياً ومالياً واجتماعياً وطبيّاً وعلميّاً وسياحيّاً.
استطاع الرئيس الشهيد رفيق الحريري أن يبني ما دمرته الحروب قبل «اتفاق الطائف»، وقام بإنجازات تاريخية على جميع الأصعدة، ولكن بعد اغتياله بدأ العد العكسي ليصل الدولار الى حدود الـ38 ألف ليرة بعدما كان لمدة 30 سنة ثابتاً على سعر «1507»، ومهما قيل ومهما كانت الحجج، الحقيقة ان لبنان لا يمكن أن يعيش في ظل حكم السلاح.
من هنا، نقول إنّه يجب أن يحافظ على هذا السلاح ولكن مع الدولة وتكون الدولة هي الوحيدة المسؤولة عن أمن البلاد والعباد.