IMLebanon

انتعاشة الصيف لقطاع السياحة والسفر مهدّدة بالانتكاس

 

بعد تسجيل أكثر من 30% إقفالات و75% خسارة وظائف منذ 2019

 

هناك إجماع على أن قطاع السياحة والسفر في لبنان مرّ بمراحل ثلاث منذ نهاية العام 2019 وصولاً إلى مرحلة الجمود شبه التام الذي شهده قبل أن يحل فصل الصيف الماضي ليخفف جزئيا من وطأته. لكن في حال تفاقمت الأزمة الديبلوماسية الراهنة والآخذة في التصاعد مع دول الخليج العربي، فقد يكون القطاع قد دخل مرحلة جديدة من التأزم بعد انتعاشة يُخشى ألا تدوم كما هو مأمول.

 

ضربات متلاحقة… وأين النقابة؟

 

المرحلة الأولى التي سبقت 17 تشرين 2019 حقق فيها القطاع أرباحاً خيالية وصلت إلى حدود الملياري دولار سنويا من عائدات مبيع تذاكر السفر.

 

غير أنّ بوادر التراجع بدأت تظهر واضحة في المرحلة الثانية، أي بعد الفترة التي تلت انطلاق تظاهرات تشرين ومع بروز أزمة ارتفاع سعر صرف الدولار، بحيث أجبرت مكاتب السفر على تسديد مستحقات شركات الطيران بالعملة الصعبة. هذا في حين كانت تتقاضى من زبائنها ثمن التذاكر بالليرة اللبنانية وبحسب سعر الصرف الذي تخطى آنذاك في منحى تصاعدي عتبة الـ2500 ليرة لبنانية. حصل ذلك في وقت كانت شركة طيران الشرق الأوسط (MEA) تطمح لتحقيق مكاسب مادية من خلال بيع التذاكر وفقا للسعر الرسمي – أي 1507.5 ليرة لبنانية. هنا، يعلّق السيد إيلي سعادة، مدير عام شركة SPECIAL FLIGHT للسياحة والسفر، بأن ذلك الإجراء دفع بالمسافر إلى حجز بطاقة سفره مباشرة عبر شركة طيران الشرق الأوسط، مما أدّى إلى انخفاض نسبة الحجوزات من خلال مكاتب السفر بواقع 80% تقريباً مقارنة مع السنوات السابقة. ويضيف سعادة أن تراجع القطاع بنسبة 80 إلى 90% يعود أساسا إلى القيود التي فرضتها المصارف على التحويلات الخارجية شاملة قطاع السياحة والسفر الذي يعتمد بشكل رئيسي على تحويل المستحقات بالدولار إلى اتحاد النقل الجوي الدولي “إياتا”. فقد توقف مصرف لبنان عن تحويل أموال شركات الطيران الى الخارج ما دفع بالأخيرة إلى تعليق إصدار التذاكر لمكاتب السفر والسياحة إلا في حال التسديد نقداً وبالدولار. توازياً، أجبرت شركات الطيران مكاتب السفر على دفع المستحقات سلفاً بعد أن كانت تُسدد في الخامس عشر والثلاثين من كل شهر. الضغوط لم تتوقف عند هذا الحدّ، إذ توجب على مكاتب السفر دفع الضريبة التي تتقاضاها شركات الطيران الدولية – والتي تذهب أرباحها إلى خزينة الدولة – بالدولار، بعد أن كانت تتراوح بين 50 ألفاً و300 ألف ليرة لبنانية تماشياً مع درجة الحجز. وقد ساهم ذلك بالطبع في بلوغ حجم الخسائر مستويات أعلى. فقبل نهاية سنة 2019، أفادت نقابة أصحاب مكاتب السفر والسياحة عن تراجع هائل في المبيعات من 60 مليون دولار إلى أقل من 20 مليون دولار شهرياً، ما شكل تدهوراً غير مسبوق وخطراً جدياً على قدرة عدد كبير من مكاتب ووكالات السفر على الاستمرار.

 

المرحلة الثالثة أتت نتيجة حتمية لتفشي فيروس كورونا، حيث دخل قطاع السياحة بصورة عامة وقطاع السفر بصورة خاصة في ما يشبه حالة من “الموت السريري”. فإقفال مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت وتعليق الرحلات كافة، أسوة بمعظم مطارات العالم، أدخل أكثر من 5 آلاف موظف في دوامة البطالة الموقتة أو طويلة الأمد. وبحسب توقعات “إياتا”، فقد تكبد قطاع النقل الجوي في العالم في تلك المرحلة خسائر فاقت 250 مليار دولار وهي مرشحة للاستمرار لغاية سنة 2022 على الأقل. ولنا في هذا الإطار أن نتخيل أثر ذلك على بلد صغير كلبنان يعيش أساساً أزمة اقتصادية غير مسبوقة.

 

السيدة إيليان هاروني، المسؤولة عن قسم الإدارة في وكالة بويز للسياحة والسفر، تقول إنه في حين سعت مؤسستها لإبعاد شبح الإيقاف عن العمل وتخفيض الرواتب عن موظفيها، إلا أنّ الكثير من الوكالات الأخرى خضعت مرغمة للأمر الواقع مخفضة الرواتب بواقع يفوق 40%، ناهيك عن تقليص عدد الموظفين في الكثير من الحالات كما أن العديد من المكاتب والوكالات أغلقت أبوابها تماماً. وبحسب بعض الأرقام، فإن 60 إلى 70% من موظفي القطاع باتوا يتقاضون نصف راتب لا أكثر.

 

ولا يفوت السيدة هاروني التذكير بعدم توفر أية تسهيلات للقطاع رغم الظروف الاستثنائية التي يمر بها. وتتساءل “أين النقابة من ملاحقة المكاتب غير المرخصة والتي ينعكس وجودها سلباً على إنتاجية المكاتب المسجلة لدى اتحاد النقل الجوي الدولي؟”. فالمكاتب المرخصة بالكاد تؤمّن ما يكفي لضمان الاستمرار ولو بالحد الأدنى من تكاليف كهرباء وإيجارات ويد عاملة ومصاريف تشغيلية متفرقة، أضف إليها الاشتراك السنوي الواجب الدفع للاتحاد الدولي بقيمة 300 دولار. أما المكاتب غير المرخصة، والتي تُقدر بالمئات وتنشط غالبا عبر الإنترنت (ONLINE)، فهي معفية من معظم، إن لم يكن جميع تلك الأعباء. وللمتعاملين معها أن يحصلوا على ما يشتهون من عروضات كثمرة للمنافسة “غير الشريفة”. أما تفشي ظاهرة الحجوزات الوهمية هنا، فهي حكاية أخرى.

 

مكافحة من أجل الإستمرار

 

 

في هذا السياق ناشد السيّد خليل فغالي، مدير عام شركة TRAVEL ALL-WAYS للسياحة والسفر، نقابة أصحاب مكاتب السفر والسياحة بضرورة رفع منسوب التوعية لدى الراغبين بالحجوزات. والهدف منع التعامل مع مكاتب أو حتى أشخاص لا هوية شرعية ولا مرجعية رسمية لهم، ما يجعل ملاحقتهم القانونية شبه مستحيلة في حال قيامهم بأية أعمال اختلاس أو غش أو تزوير.

 

على صعيد آخر، يمكن ملاحظة غياب أي تعرفة موحدة لأسعار الحجوزات. عن هذا يشرح السيد سعادة أن تعدد آليات التسعير مردها إلى اعتماد المكاتب والوكالات ما يتماشى مع حجم مبيعاتها ومصاريفها وعدد موظفيها وتبعا للمنطقة الجغرافية التي تقع فيها أيضاً. قد لا يمثل وضع آليات “تسعيرية” حلاً سحرياً إلا أنه من المجدي أخذ ذلك في الاعتبارـ أقله إنصافا للمكاتب والوكالات الصغيرة التي تفقد زبائنها لصالح الشركات الأكبر حجماً.

 

ركود فانتعاش بطيء فأزمة دبلوماسية أخرى

 

في تصريحات سابقة خلال العام الحالي، ذكر نقيب أصحاب مكاتب السفر والسياحة، السيد جان عبود، أن الشلل شبه الكامل الذي أصاب القطاع في الفترة الأخيرة يعود إلى الوضع الصحي العام كما إلى تراجع قدرة آلاف اللبنانيين على القيام بالرحلات السياحية السنوية. وتشير التقديرات إلى تراجع العدد بنسبة تزيد عن الـ90% مقارنة مع العام 2018. وقد انعكس ذلك إقفالا لأكثر من ثلث المكاتب والوكالات الـ213 المسجلة لدى اتحاد النقل الجوي الدولي وخسارة أكثر من 75% من موظفي القطاع الذين يقارب عددهم 6000 مناصبهم. وقد حاولنا التواصل مع النقيب عبود ومصادر نقابية أخرى للوقوف على رأيهم، إلا أننا لم نلق رداً على أسئلتنا.

 

مع ذلك، شكل فصل الصيف الفائت بصيص نور. إذ يشير فغالي إلى انتعاش ملموس عاشه القطاع منذ بداية حزيران الماضي حيث شهد البلد دخول أعداد كبيرة من المغتربين الذين أتوا لزيارة ذويهم قبل الانتقال إلى تركيا أو دول أخرى إكمالا لرحلاتهم السياحية. وهو ما عزز حركة السفر من وإلى لبنان. كذلك، فإن عودة كثيرين من عمال الخدمة المنزلية الأجانب إلى بلادهم بعد تعذر دفع مستحقاتهم بالدولار من قبل أرباب عملهم شكلت عاملاً أساسياً لتحريك عجلة القطاع. ثم هناك الطلاب الذين غادروا البلاد لإكمال دراستهم في الخارج، العائلات التي هاجرت، التجار الذين يقصدون تركيا بشكل متكرر لشراء البضائع، كذلك السياح الذين زاروا لبنان مؤخراً قادمين خاصة من العراق ومصر وحتى إيران والقارة الأميركية والدول الأوروبية. جاء ذلك على قاعدة “مصائب قوم عند قوم فوائد”. فتدهور قيمة الليرة اللبنانية كوّن عامل جذب لهؤلاء محولاً لبنان إلى وجهة سياحية رخيصة.

 

لكن مع الأسف، تبدو الـ”ميني” انتعاشة هذه مهددة اليوم مجدداً. فالأزمة الديبلوماسية مع السعودية التي أطلت برأسها خلال الأسبوعين الماضيين أعادت أجواء القلق والتشكيك باستدامة الـزخم من قبل أصحاب مكاتب ووكالات السفر. فالسفر من وإلى الدول العربية يشكل حوالى 50% من حجم عمل القطاع في لبنان، بحسب السيدة هاروني. وإذ هي تمنت أن يتم إيجاد المخرج السريع للأزمة، إلا أن التخوف من مزيد من تردي العلاقات بين البلدين وتوسع الدائرة لتطال دولاً خليجية أخرى، حملا بعض مكاتب السفر إلى التفكير في خطة بديلة. والكلام هنا للسيد فغالي عن تأسيس وكالات عبر الإنترنت (ONLINE TRAVEL AGENCIES – OTA) انطلاقاً من تركيا تعويضاً للخسائر وكحلّ يجنّب العاملين في القطاع مفاعيل ضربة قاصمة أخرى تلوح في أفق بلد “بتنام فيه على خبرية وبتقوم على خبرية”.

 

في الختام، يضم السيد سعادة صوته إلى جميع من تحدثنا إليهم مناشداً النقابة والجهات المعنية الوقوف بحزم إلى جانب القطاع ومساندته للنهوض مجدداً من كبوته. المطالب عديدة والنقابة “مقصّرة”، كلام تكرّر على مسمعنا، وهي قد تصبح نقابتين، كما تسري بعض الشائعات. لكن تبقى مكافحة المكاتب والوكالات غير المرخصة وتوفير تسهيلات مالية او دعم مصرفي ما، إن لم يكن ممكناً تحصين قطاع السياحة برمته، أبرز ما يأمله أصحاب الشأن.

 

نهاية شهر أيلول الماضي، أصدرت وزارة السياحة تعميماً على “كل الجهات التي تستثمر وكالات السفر والسياحة وخلافها من دون استحصالها مسبقاً على ترخيص قانوني من قبل الوزارة، وجوب التقدم منها خلال مهلة شهر من تاريخ التبليغ، بغية تصحيح أوضاعها القانونية وتسويتها وفقاً لما توجبه القوانين والأنظمة المرعية الإجراء تحت طائلة إقفالها”. على الرغم من أن فترة الشهر قد انقضت، إلا أن وصول هذا التعميم إلى خواتيم سعيدة من عدمه قد يكون مقياساً لمدى جدية المعالجات. لعلّ وعسى.