IMLebanon

«سياحة» على الدم السوري

يبدو أن النظام السوري لم يعد يكفيه حمام الدم في سوريا، فقرر الرقص فوق جثث الاطفال والنساء بتضليل سياحي سافر تحت مسمى ترويجي. 

موقع وزارة السياحة السورية يعرض فيديو مصورا بتقنيات عالية عن شاطئ الساحل السوري بهدف الترويج للسياحة السورية الصيفية، يؤكد الفيديو ان هذه هي سوريا، بحر ازرق ناصع، مواطنون يمارسون هواياتهم الصيفية، «يتشمسون «على الشواطئ، بعدها تنتقل الكاميرا الطائرة الى مجمع سكني فخم، تحاوط المساحات الخضراء المباني الضخمة والبيوت الراقية، نظافة وتنظيم وهدوء واستقرار ومناظر فارهة كثر يحلمون بزيارتها. 

ينتقل احد المطلعين على الاعلان السياحي السوري في ثوان الى مشاهدة احدى المحطات العربية، مدن تنهار تحت وقع الصواريخ والقذائف، احياء هجرتها الحياة بعد تدميرها بالكامل، جثث اطفال مشلوحة في كل مكان، مجاعات تجتاح الاحياء المحاصرة، معارك ضارية اجتاحت كل المحافظات السورية من اريافها الى سواحلها اردتها مدن اشباح، قصف المدنيين بكل انواع الاسلحة المحرمة دوليا، هدم المواقع الاثرية التاريخية فيما الامراض والاوبئة تتفشى بين السكان الصامدين حتى اليوم. 

مشهدان متناقضان فوق سقف بلد واحد، في سوريا تتجاور الرفاهية مع الموت، من جراء حرب ابادة، ومآس نبتت على اطراف الساحل السوري الذي اتخذت منه وزارة السياحة مادة ترويجية. لا احد يعرف شيئا عن السياحة السورية سوى الاعلان الذي انتشر بكثرة على مواقع التواصل الاجتماعي. لكن ما يظهر في الاعلان يبدو كافيا: التنفيذ المستفز مع اظهار الاعلان للمناطق التي يسيطر عليها النظام بأبهى حللها منافسة اجمل الاماكن السياحية في العالم. هكذا يتحول السوري من معارض، ومقاتل، ولاجئ وجائع وشهيد ومصاب بسبب ممارسات النظام، وتتحول معه سوريا من مدمرة ليختفي كل هذا فجأة وتطل العالم مدينة خضراء، وبحر واشجار ومسابح واولاد سعداء يلعبون في المياه بأمان من دون الخوف من اي صاروخ فوسفور يهبط على رؤوسهم. اهلا بكم في سوريا، هنا حيث كل شيء يوحي بالسعادة والراحة والطمأنينة، ببساطة الشعب السعيد يسكن كوكب «الساحل السوري» ويترك كل الهالكات الاخريات ينازعن في باقي سوريا. 

سوريتان اذا: واحدة حقيقية تسكنها الحروب، وفي الجانب الاخر سوريا اخرى، سكان الكوكب السعيد الذين اتخذوا من قطعة ارض لا تتعدى مساحتها الـ6 بالمئة من اجمالي مساحة سوريا، ليبنوا عليها صورة مدينتهم الفاضلة الترويجية، هؤلاء هم صنف اخر، هم صنف راق والاخرون مجرد «رعاع». موقع وزارة السياحة في اوج نشاطه، يبحث عن سبل «اعداد خطة واضحة لتوريد عائد مالي لخزينة الدولة من خلال تفعيل الاستثمار» كما يقول احد الاخبار المنشورة على صفحته، بعد نشر نشاطات الوزير السياحية واتفاقياته المبرمة مع الكليات والمطاعم والفنادق للتشجيع السياحي. 

ولكن، الى من تتوجه هذه الصفحة وهذا الاعلان بالتحديد؟ طبعا ليس الى الشعب السوري ولا الى المغتربين السوريين في دول العالم، وحتما ليس الى الاوروبيين والاميركيين وشعوب شرق اسيا، وبالطبع ليس الى السياح الخليجيين، وللتذكير ان سوريا كانت تستقبل 8.5 مليون سائح سنويا اما اليوم وبصعوبة تسيّر شركة الطيران السوري رحلة واحدة في اليوم، اضافة الى توقف جميع شركات الطيران العالمية من المرور في الاراضي السورية خلال تحليقها. يتوجه اصلا الى سكان الساحل السوري الذين لم يغادروه حتى اليوم، ويتوجه الى الرأي العام العالمي بهدف اظهار حكم الاسد زورا على انه المطور والمنفتح والمحب للحياة وباني الاستقرار والامان والبنى التحتية، فيما معارضوه هم المدمرون لمستقبل سوريا وشعبها. 

كل هذا الفجور يحصل في إعلان واحد لوزارة السياحة السورية… يليه مباشرة صور توثق احدى المجازر الاسدية بحق اطفال لا قدرة لديهم لترك ارزاقهم والهرب من هول حرب الاسد عليهم. هذه ايضاً سوريا، بل هذه هي سوريا على حقيقتها.