عندما وقع انفجار مرفأ بيروت، أعلنت رئاسة الحكومة عن تحقيق فوري لتحديد المسؤولين وتعويض المتضررين. يومها، خرج وزير الداخلية والبلديات، محمد فهمي، بتصريح لا يزال صداه يتردد إلى الآن، مؤكداً أن «التحقيق سيستغرق 5 أيام والمسؤول سيُحاسب». واستطرد، ممثلاً دولة بكاملها، بأن من حق الناس «أن يحاسبوا» في حال تأخر التحقيق.
مذذاك، مرّت خمسة عشر يوماً. استقالت الحكومة وشيّع مئات الضحايا، ولم تصدر نتائج التحقيق بعد. ولما كانت الدولة قد وضعت نفسها تحت «حكم الشعب»، فقد ارتأى هذا الأخير أن يأخذ حقه بيده. وتجلى ذلك في توجه عددٍ من المتضررين لرفع دعاوى ضد الدولة لتحصيل حقوقهم، أو على الأقل حفظها. قرر هؤلاء ألا ينتظروا التحقيق الذي تبدو دربه طويلة، وبدأوا يعدّون لمواجهة الدولة كدولة ومرفأ بيروت كمؤسسة، عبر تقديم شكوى امام مجلس الشورى وقضاء العجلة. ومن بين من اختاروا هذا الطريق، نقابات المصالح العاملة في القطاع السياحي (نقابات «أصحاب الفنادق» و«أصحاب المطاعم والملاهي والباتيسري» و«المؤسسات السياحية البحرية» و«أصحاب الشقق المفروشة» و«أصحاب مكاتب تأجير السيارات»).
هذا التوجه فرضته الخسائر الضخمة التي تكبّدها هذا القطاع، ويتكبّدها يومياً مع استمرار الأزمة الاقتصادية والمالية، لتتخطى مئات ملايين الدولارات. ومع أنه ليست هناك إحصاءات دقيقة بعد، خصوصاً أن المسح التفصيلي يتطلب وقتاً وجهداً، إلا أن هناك أرقاماً تقريبية تؤشر إلى حجم الكارثة. فعلى سبيل المثال، يشير بيار الأشقر، رئيس نقابة أصحاب الفنادق، إلى أن الأضرار طالت 163 فندقاً «تنوعت من أضرار خفيفة (زجاج وألومينيوم) ووصلت حدّ الدمار الداخلي لبعض الفنادق»، فيما أشارت نقابة أصحاب المطاعم والملاهي والباتيسري الى أن عدد المؤسسات المتضررة في هذا القطاع وصل الى 2096.
أضرار مختلفة لحقت بـ 163 فندقاً و2096 مؤسسة سياحية
هذه الأرقام التي تجرجر مبالغ خيالية تصل إلى مئات ملايين الدولارات، دفعت هؤلاء إلى خيار مواجهة الدولة، ولذلك بدأوا إعداد شكواهم لدمجها في الشكاوى المقدمة من قبل نقابة المحامين في هذا السياق. ويلفت رئيس نقابة أصحاب المطاعم والملاهي والباتيسري، طوني الرامي، إلى أن التحضيرات للدعوى بدأت، «وباشرنا تحويل استمارات إلى أصحاب المطاعم والملاهي لتقييم الأضرار والخسائر التي لحقت بمؤسساتهم لتحصيل رقمٍ دقيق عن الأضرار وأكلافها لترفق بالدعوى».
لا يعوّل المدّعون كثيراً على تلك المواجهة، ولكن «الدولة لم تترك لنا خيارات»، يقول الأشقر. لذلك، كان لا بد من سلوك هذا الطريق، أولاً لتحصيل الحقوق من «صاحب الضرر»، وثانياً «لحفظ حقوق غير المؤمّنين لدى شركات التأمين، خصوصاً أن الخسائر كانت كبيرة». وربما لن تكون هذه الدعوى الأخيرة، إذ إن عدداً من المؤسسات الأخرى وحتى الأفراد بدأوا بإعداد مستنداتهم لتقديم شكوى، بمعيّة نقابة المحامين، في وجه الدولة، كجهة مسؤولة عن الكارثة التي جرفت نصف العاصمة وغالبية مؤسساتها.