هذا الكلام قد لا يُعجِب كثيرين ممَن هم معنيون بالقطاع السياحي من مجمعات سياحية وفنادق ومطاعم وملاهٍ. فكثيرٌ من هؤلاء يتعاطون مع السائح ومع المغترِب وكأنه «الزبون الأخير» الذي يجب أن «نستخرِج» منه أقصى ما يمكن من «فريش دولار»، فربما لن يعود وربما لن يأتي زبون غيره.
هذا ليس من باب «النق» أو من باب «التحريض» بل من باب الحرص على تلك المؤسسات لأن أداءها الجَشِع سيدفعها إلى «النق» اعتباراً من أيلول، حين ينتهي موسم السياحة والإصطياف، وحين يغادر السياح والمصطافون وقد أقسموا أنهم لن يعودوا مرةً ثانية، ليس لأن لبنان ليس جميلاً أو أن شعبه غير طيب، بل لأن بعض مَن هُم في القطاع السياحي، لا حدود لجشعهم.
لا تملك وزارة السياحة العدد المطلوب والكافي من عناصر «الشرطة السياحية» لضبط المخالفات، ووزير السياحة «بالكاد قلَّع» بالموسِم السياحي، و»كَتِّر خيرو»، هذه الفجوة تسلل منها «الجشعون» فعاثوا غلاءً غير مبرّر، وصارت الفواتير الباهظة والملغومة «ترنداً» على مواقع التواصل الإجتماعي.
السائح، سواء أكان مغترباً أم أجنبياً، «بارم الدني»، يعرف في الأسعار، ويعرف أين تكون الفاتورة منطقية، وأين تكون «مضبطة سرقة»، تصويره الفاتورة ونشرها، دليل سخط علَّ الشكوى تصل.
الوزير والوزارة قاما بما عليهما، لكن هل النقابات المعنية قامت بما عليها حيال المخالفين الجشعين؟ هل سألوا أنفسهم لماذا لا يحصل تصوير فواتير في دول ومنتجعات سياحية في حوض البحر الأبيض المتوسِّط؟ ويقتصر الأمر على لبنان؟
قد يقول قائل: ولكن هناك ملفات أكثر أهمية، فلماذا إثارة ما يُعتبر أقل أهمية؟
إن هذا التساؤل في غير محله على الإطلاق، للأسباب التالية:
التعافي السياحي هو أول إنجاز تحقق، فهو لم يكن بحاجة إلى «ترسيم» لحدود متنازَع عليها، كما لم يكن بحاجةٍ إلى «مسيَّرات تهويلية» والتلويح بحربٍ في أيلول، ولم يكن بحاجةٍ إلى اتفاقٍ مع صندوق النقد الدولي ليُقرِضنا لا ليمنحنا.
بهذا المعنى تكون السياحة غازَ لبنان ونفطَ لبنان، وهي التي تعيد رسملتَه وإعادة القطاعات التي إما هاجرت وإما انهارت.
تصوروا مثلاً لو أن السياحة لا تقتصر على شهرين في السنة او ثلاثة شهور؟ تصوّروا أن تمتد على شهور السنة: من سياحة صيفية إلى سياحة شتوية إلى سياحة دينية إلى سياحة أثرية.
إن «بلوكات السياحة» على مدى شهور السنة، قد تُغني عن سائر أنواع البلوكات، ولا تحتاج إلى سفن حفر وتنقيب، كل ما تحتاجه هو إدارة سياحية تعرف قيمة لبنان، وتطبق شفافية في الأسعار لئلا «نُهشِّل» السياح والمغتربين، ويكون من اللائق الحفر على صخور نهر الكلب «أهلا بهالغلِّة» لا «أهلا بهالطلِّة».