يستمر «حزب الله» في ضخّ أخبار فتوحاته التلالية في القلمون السوري، لكنه يبدو فعلياً وكأنّه استساغ تأبّط دور الدليل السياحي أكثر من أي شيء آخر. بحيث إنّ اللبنانيين (والسوريين) يوسّعون من خلال بياناته العسكرية، مداركهم السياحية! ويتعرّفون على معالم ومعابر وتلال وجبال وممرّات ووديان لم يسمع بها أحد من قبل.. ولا يلحظها في العادة إلاّ أصحابها أو السائح المهموم بالاستكشاف، أو الموظّف في دائرة المساحة والعقارات..!
وفوق ذلك وتحته، وبعده وقبله، فإنّ الشكّ كبير عند المعنيين بالخرائط العسكرية وخطوط المواجهات في سوريا، في تلمُّس أو ملاحظة الأهمية الاستراتيجية لتلك الفتوحات، ولتلك المواقع التي تتساقط تباعاً على أيدي مقاتلي «حزب الله» وملحقاته، ولتأثيراتها الميدانية على مجمل الحرب الدائرة، وعلى المآلات الأخيرة التي تقترب منها بقايا سلطة الأسد شيئاً فشيئاً وبدأب مدروس.
بل إنّ ما يعرفه المختصُّون والمعنيُّون والثقات وأهل المناطق المجاورة لمسرح تلك «العمليات السياحية»، وما يعرفه «حزب الله» بالتالي وأكثر من كل هؤلاء، هو أنّ حرب التلال هذه، تشبه «المغّيطة»: تتمدَّد السيطرة فيها وتتقلّص تباعاً وبشكل لا يُفسح المجال لادّعاءات سيطرة دائمة! بل إنّ جيوشاً كبيرة، مكتنزة ومكتملة العديد والعدَّة برّاً وجوّاً وصيفاً وشتاءً تتورَّع عن تلك الادّعاءات وتتواضع دونها!
لكن «حزب الله» يريد أن يقول، على سبيل المثال وليس الحصر، إنّ «معبر شحادي« في «جرد الجراجير« قرب «وادي المغارة« في القلمون! يساوي دير الزور وإدلب وحي الخالدية في حلب شمالاً.. ودرعا واللواء 52 ومطار الثعلة جنوباً! وأنّ الحديث المتصاعد عن كسر حال المراوحة بين بقايا السلطة الأسدية والمعارضة المسلّحة لمصلحة الثانية، ليس دقيقاً! وأنّ القرارات الكبيرة المتّخذة لتكسير عظام النكران والمكابرة عند تلك السلطة لدفعها (على ما يُقال!) إلى طاولة المفاوضات كمقدّمة لإعلان انتهاء «ولايتها» رسمياً.. تلك القرارات لن تجد طريقها إلى التنفيذ طالما أنّ «الولي الفقيه» يعتبر المعركة معركته «الشخصية»! وطالما أنّ إيران في الإجمال تعتبر سوريا درّة تاج مشروعها الامبراطوري! وطالما أنّ «حزب الله» يعتبر الأسد عَلَم الممانعة الأول!
ولا جديد يُذكر في هذه السيرة منذ اليوم الأوّل لاندلاع الثورة السورية، سوى أنّ وقائع الميدان يُفترض أن تدفع بالمكابر والطامح، إلى التواضع وإعادة النظر في حساباته، وفي خطوط انتشاره، وفي مسرح عملياته.. وأن لا يستسيغ طويلاً وكثيراً دور الدليل السياحي الذي يلعبه في هذه المرحلة، وأن يكفّ عن افتراضاته المربوطة مباشرة بالذات الإلهية، وأن يعتمد بدلاً من ذلك (أو يحاول على الأقل) اعتماد اللغة ذاتها التي بدأت إيران نفسها تتدرّب عليها: لغة الواقع التي تعني في المحصّلة، العمل على الحدّ من الخسائر الكبرى، وتنظيم التراجع إلى الخلف وصولاً إلى اكتشاف الجانب الملائكي في «الشيطان الأكبر»! ولو بعد ثلاثة عقود من المواجهات والأضرار والنكبات والحروب العبثية!