مع بداية الموسم السياحي تعود «حليمة لعادتها القديمة» ويبدأ «الغيارى» على لبنان من دول القرار بإبداء نصائحهم وإملاءاتهم والكل تحت عنوان الحفاظ على استقرار البلد والحفاظ على سلامة حدوده ومنعة أراضيه، فتخال لوهلة أن الغريب يحب البلد أكثر من أبنائه، فهم كلهم يريدون الاستعجال بانتخاب رئيس للجمهورية وكأن اللبناني قد نسي أنه كان له رئيساً ينادي بالحفاظ على الدولة وهيبتها وعلى المؤسسات، وعلى الأموال العامة التي ويا للأسف أصبحت لقمة سائغة في فم الطامعين والجشعين والفاسدين، وذلك بتسهيل وحماية من هذه الدول، التي لم تؤازر الدولة في بسط هيبتها والقضاء على الفاسدين، الذين باتت ثرواتهم تجوب المصارف والدول والمؤسسات المالية العالمية «ولا مين شاف ولا مين درى». فأصبح أصحاب المصارف اللبنانية المؤتمنين على ودائع الناس وجنى عمرهم يتنقلون بكامل حريتهم من دولة إلى أخرى، ولا مذكرات توقيف بحقهم ولا حتى دعوات للاستماع إليهم ومعرفة خفايا ما هو بات معروفاً بـ «سرقة العصر»، التي راح ضحيتها شعب بكامله من كبيره إلى صغيره ولم ينجو منها إلّا من كان شريكاً للمتهمين وحامياً لهم.
من المعروف أن الجنوب اللبناني أصبح مسرحاً للعمليات العسكرية وذلك بالرغم من وجود الجيش اللبناني وقوات الطوارئ الدولية الذين يتوزعون الأدوار شمال وجنوب الليطاني، كل ذلك لم يمنع الاعتداءات الإسرائيلية والخروقات المستمرة براً وبحراً وجواً، فأصبح الخط الأزرق خطاً وهمياً على الخارطة وفي الواقع، فلا أحد يحترم هذا الخط كما لم يحترم أحد الحدود الدولية المرسّمة بموجب اتفاقية الهدنة في العام 1945، ولم يحترم أحد «خط الهدنة الأخضر» الذي سبق ترسيم الأزرق في العام 2000 والذي أنشأته الأمم المتحدة وذلك للتحقق من الانسحاب الإسرائيلي. من هنا كان اضطلاع المقاومة بعمليات الدفاع عن لبنان التي نشأت في البداية لردع العدو الصهيوني، ومن ثم تحوّلت مع اندلاع حرب غزة وتداعياتها في الثامن من أكتوبر من العام 2023 إلى قوة مساندة للفلسطينيين في حربهم في غزة. من هنا بات محسوماً ارتباط جبهة الجنوب بما يجري على الساحة الغزاوية وما يصحُّ في غزة يصحّ في الجنوب اللبناني، وبالتالي فإن أي وقف لإطلاق النار في الجنوب لا يمكن أن يتم بمعزل عن وقف لإطلاق النار في غزة.
وقف تصعيد أم تغيير قواعد اشتباك؟
من الواضح أن قواعد الاشتباك التي وُضعت للمرة الأولى بين لبنان وإسرائيل في العام 2000 بُعيد الانسحاب الإسرائيلي، هذه القواعد تم تحديثها بعد عدوان 2006 على لبنان، هذه القواعد يبدو انها بحاجة لتعديل جديد لتتماشى مع الأسلحة الجديدة المستعملة ومع ضرورة وضع أسس جديدة لحماية المدنيين في كلا طرفي الحدود. من هنا فإن محادثات الوسطاء لا سيما الموفد الأميركي أموس هوكشتاين تدور حول عدة نقاط لا تشمل بالتأكيد وقفاً لإطلاق النار في الجنوب، لأن ذلك مرتبط بوقف شامل لإطلاق النار، إنما تدور على ضرورة انسحاب حزب الله إلى مسافة أقلّها ثمانية كلم، مما يؤمّن عودة النازحين الإسرائيليين إلى مناطق إصبع الجليل وشمال إسرائيل، وفي مقابل رفض الحزب للانسحاب الأحادي بات واضحاُ أن ما ينطبق على جنوب الحدود يجب أن ينطبق على شمالها، من هنا يرى أكثر من متابع أن المطلوب هو تغيير لقواعد الاشتباك في هذه المرحلة.
ومع زيارة هوكشتاين لباريس واجتماعه مع الموفد الفرنسي جان إيف لودريان يبدو أن الملف الرئاسي قد بدأ تحريكه وذلك في ظل صفقة سياسية أمنية لم تظهر بعد كل ملامحها. في هذا الوقت تعمل بعض الأبواق على تأجيج الساحة الجنوبية من طريق بث فبركات وتحليلات تبشّر بالحرب القادمة لا محالة، في هذا الوقت تقوم جوقة السفارات وأجهزة المخابرات، بمساندة ميدانية من خرق لجدار الصوت إسرائيلي بمحاولة توتير، الهدف منها منع المنتشرين اللبنانيين من العودة لقضاء فصل الصيف في ربوع الوطن. من الواضح أن اللبنانيين الذين اعتادوا على التهويل والحرب النفسية، لن يرهبهم خرق جدار صوت من هنا أو بيان مشبوه من هناك وأنهم سيتحدّون الجميع وسيعودون قريباً إلى وطنهم.