خفّضوا الدعم عن المحروقات ورفعوا أسعارها إنقاذاً للموسم السياحي، وأغفلوا خدمات أساسية أخرى لا تقل عنها أهمية. تعاملوا مع القطاع السياحي كغيره بتقديم حلول الترقيع لتمرير الوقت ورغم ذلك لا يزال البنزين والمازوت متوفرين بالقطارة، وطوابير المحطات على حالها. فهل يمكن إنقاذ الموسم السياحي بهذه الحلول؟ وهل هذا هو العامل الوحيد المطلوب لإحياء القطاع؟
التعويل كبير هذا العام على الدور الذي يمكن ان تؤديه السياحة في إدخال العملات الصعبة وسط كل التحديات والأزمات التي يمر بها لبنان. لكن هل يكفي القول انّ البلد رخيص على من يملك دولاراً لجذب السائح؟ ماذا عن الخدمات الاخرى؟ كيف يمكن للسائح ان يتحمّل أزمة التقنين الى طوابير محطات البنزين الى تردّي خدمة الاستشفاء الى أزمة نفايات؟… وكيف ستنعكس هذه التحديات على الموسم السياحي؟
يؤكد نقيب أصحاب الفنادق والمؤسسات السياحية بيار الأشقر لـ»الجمهورية» انّ صاحب المؤسسة السياحية وحده من يتحمّل تداعيات كل هذه الأزمات، ويظهر ذلك خصوصاً عند الحجوزات المسبقة. على سبيل المثال، أنجَز احد الزبائن منذ نحو الأسبوعين حجزاً له ولعائلته للإقامة في أحد الفنادق لمدة 10 أيام، يومها كانت تسعيرة ليلة الفندق بـ 600 الف ليرة وكان سعر الصرف 12 الفاً أي ما يوازي 50 دولاراً. وبعد إتمام الحجز ببضعة أيام ارتفع سعر الصرف الى 15 الفاً، وبالتالي بات الحجز يساوي 40 دولاراً لليلة الواحدة. الا انّ الخسارة لم تقتصر على 10 دولارات فقط إنما انسحبت على بقية الخدمات مثل ارتفاع كلفة الغسيل وبقية السلع الغذائية والاستهلاكية، ليتبين بعد اجراء حسابات كلفة الاستضافة انّ صاحب الفندق امّا انه لم يحقق ربحاً وإمّا وقع في خسارة.
الى جانب تحديات سعر الصرف، نعاني أزمة التقنين القاسية فساعات التغذية لا تتعدى الـ 4 ساعات، وكانت كلفة طن المازوت نحو مليون و400 الف ليرة اما اليوم فلا يزال التقنين يتراوح ما بين 20 الى 22 ساعة تغذية بينما طن المازوت ارتفع الى 3 ملايين ليرة. وعليه، كانت كلفة المازوت الشهرية للفندق تصل الى نحو 80 مليون ليرة فارتفعت اليوم الى 160 مليون ليرة، بينما سعر الغرفة لم يتغير ولا يزال 600 الف ليرة لليلة.
أضاف: صحيح أنه سُمِح لنا بأن نسعّر بالدولار إنما للأجانب فقط. وفي الواقع ليس هناك سيّاح أجانب، ومتى وجدوا فإنّ حجزهم يقتصر على ليلتين فقط ولا يشكلون اكثر من 1 الى 2 % من مدخول الفندق. وهم في غالبيتهم من رجال الاعمال التابعين للمؤسسات غير الحكومية NGO.
كذلك أضيف الى تحدياتنا، السعي لتأمين البنزين للزبون، فغالباً ما يسأل الزبون عمّا اذا كان في إمكان الفندق ان يساعده على تأمين البنزين لطريق العودة، فالسائح القادم من صيدا الى برمّانا على سبيل المثال يهمّه ان يجد البنزين ليؤمّن عودته الى دياره.
الخريطة السياحية
من جهة أخرى، كشف الأشقر انّ المناطق السياحية الأساسية التي كانت رائجة على مدى 60 عاماً ما عادت نفسها اليوم، لافتاً الى انّ البنى التحتية الرئيسية للقطاع تتوفر خصوصاً في بيروت وبجزء منه في منطقة جبل لبنان القريبة من العاصمة، أي من جونية باتجاه بيروت وبرمانا وعاليه وبحمدون. في هذه المناطق، عدد الغرف كبير، لكن هذه الأماكن اليوم ما عادت «عالموضة»، لأنّ نوعية السياحة تغيّرت بعد جائحة كورونا، بحيث بات السائح يطلب منطقة بعيدة ونائية غير مكتظة وفيها شواطئ. لذا، من الملاحظ اليوم انّ حجوزات الفنادق في صور دائماً مكتملة، لكن عدد الفنادق هناك قليل جداً، كذلك عدد الغرف محدود بحيث انّ مجموع فنادق صور وغرفها لا يوازي نصف فندق في العاصمة. كذلك الامر بالنسبة الى البترون ودوما وجزين التي تعجّ بالسياح بينما عدد الغرف قليل. لذا، يقال اليوم انّ الحجوزات في هذه المناطق دائماً مكتملة لكن لا يمكن مقارنتها بفنادق العاصمة وجوارها لأنها أصغر.
وتابع: من إيجابيات هذا الواقع الجديد توزّع الثروة السياحية بالتوازن على جميع الأراضي اللبنانية، ففي كل المناطق حتى النائية منها تكثر بيوت الضيافة والايجارات عبر Airbnb (استئجار غرفة في منزل او فيلّا…) لكن هذه الاهواء السياحية الجديدة والمتعارف عليها عالمياً باتت تنافس الفنادق وتلقى رواجاً وإقبالاً اكبر.
وعن نسبة الحجوزات، يقول الأشقر انها تختلف أيام الجمعة والسبت والأحد عن بقية أيام الأسبوع، ففي نهاية الأسبوع تكون مكتملة في المناطق الرائجة سياحياً وتتراوح ما بين 90 الى 100 % لكن في هذه المناطق لا يتجاوز عدد غرف الفندق الـ8 او ربما اكثر بينما فنادق العاصمة او المناطق السياحية المتعارف عليها يصل عدد الغرف فيها الى 130 او اكثر. وأكد الأشقر انّ نسبة الاشغال الفندقي هذا العام افضل بكثير مقارنة مع العام الماضي إنما ليس افضل من حيث المدخول، لأنّ الـ100 مليون ليرة التي نجنيها اليوم لن تعود ذات قيمة مع تغير سعر الصرف ولن تكفي ثمناً للسلع.
كذلك تحدث الأشقر عن تفاوت في المؤشر السياحي بين الفنادق والمطاعم حيث الاقبال اكبر على المطاعم، إنما المصيبة تجمعهما، فكلاهما يكسرهما سعر الصرف المتحرك، بحيث نقفل الصندوق ليلاً على سعر دولار 15 الفاً لنستيقظ في اليوم التالي على دولار 17 الفاً فترتفع كل التكاليف علينا، لكننا كمؤسسات سياحية ومطعمية لا يمكننا ان نعتمد تسعيرة متغيّرة يومياً.