حرب غزّة قد تطيح الموسم مع خسائر قد تصل الى 10% من الناتج المحّلي الإجمالي
برز دور القطاع السياحي كمصدر مهم للعملة الصعبة منذ اندلاع الأزمة في تشرين الأول من العام 2019. وتاريخيًا، كان القطاع السياحي يساهم قبل الأزمة السورية بربع الناتج المحلّي الإجمالي، ويوظّف ربع اليد العاملة في لبنان (بشكل مباشر أو غير مباشر). بالطبع الأحداث التي عصفت بلبنان منذ السنة السياحية الذهبية في العام 2010 (وصل عدد السياح إلى 2.1 مليون سائح) وحتى يومنا هذا، حجّمت دور هذا القطاع الذي كان ولا يزال يتغذّى بشكل جوهري من المغتربين اللبنانيين.
عند نشوب الأزمة في العام 2019، عاش لبنان شهرين (تشرين الثاني وكانون الأول 2019) صعبين، خصوصًا مع انقطاع الطرقات وغيرها من الأحداث التي منعت العديد من المغتربين من القدوم إلى لبنان. وأتت بعدها جائحة كورونا لتقضي على هذا القطاع، ليعود بعدها ويتنفس الصعداء في الأعوام اللاحقة. العام 2022، كان عامًا جيدًا بالنسبة للقطاع السياحي، حيث تُقدّر قيمة الدولارات التي دخلت لبنان بخمسة مليارات دولار أميركي (بحسب أرقام مصرف لبنان) وكلها خارج القطاع المصرفي. أمّا العام 2023 وبحسب توقّعات صندوق النقد الدولي، فإنها ستزيد على العام 2022 بـ 500 مليون دولار أميركي.
خلال الموسم الصيفي الماضي، زار لبنان ما بين 1.5 إلى 1.7 مليون سائح بمعظمهم من المغتربين اللبنانيين، الذين زاروا الوطن الأم لدعم الأهل بالدرجة الأولى. وتُقدّر العائدات لهذا الموسم بحدود الـ 3 إلى 3.5 مليار دولار، حيث انه من الصعب معرفة الرقم بدّقة، نظرًا إلى تخطّي القطاع المصرفي بالكامل. وقد ساعد هذا المبلغ في تخطّي العديد من المشاكل المتعلّقة بصمود العائلات اللبنانية، وساهم في إعادة إحياء القطاع السياحي كما واليد العاملة التي استفادت من هذا الموسم.
المداخيل السياحية ساهمت في تنشيط الاستهلاك – أساس الناتج المحلّي الإجمالي –الذي للأسف بمعظمه مستورد من الخارج، أي بمعنى آخر قسم كبير من هذه الأموال عاد وخرج من لبنان من باب الاستيراد، من دون أن تتدخّل حكومة تصريف الاعمال أو تتخذ أي إجراءات لإبقاء ولو قسم من هذه الدولارات في الداخل وضخّها في الماكينة الاقتصادية.
أسابيع وتحلّ أعياد رأس السنة، وهو موسم تُعوّل عليه العديد من القطاعات التجارية، نظرًا إلى ما تحمله هذه المناسبة من رمزية للعائلات التي تُنفق كثيرًا خلال هذه الفترة. ومن المتوقّع أن يكون المغتربون اللبنانيون على الموعد لقضاء العطلة الشتوية مع الأهل في لبنان، وتُشير التوقّعات إلى أن أعدادهم قد تصلّ إلى 500 ألف سائح مع عائدات تتراوح ما بين المليار إلى مليار ونصف دولار أميركي.
إلا أن الحرب الضروس التي يقودها الكيان العبري على غزّة، واعتداءاته المتواصلة على الجنوب، والتهديد بفتح حرب شاملة على لبنان، تُثير المخاوف، بالطبع خوفًا على البشر، ولكن أيضًا خوفًا على تطيير الموسم السياحي الشتوي، الذي سيكون كدعم إضافي يقدّمه المغتربون اللبنانيون إلى أهلهم في لبنان.
وحديثًا قامت وكالة «ستندارد آند بورز» للتصنيف الائتماني بمحاكاة لتأثير الصراع القائم في غزّة بالقطاع السياحي في كلٍ من لبنان والأردن ومصر. وقامت الوكالة بدراسة التأثير بالقطاع السياحي والاحتياطي من العملات الأجنبية والناتج المحلّي الإجمالي، وذلك في ظل ثلاثة سيناريوهات: صراع بين ثلاثة إلى ستّة أشهر، صراع حتى النصف الثاني من العام 2024، وصراع مفتوح. وتوصلت الوكالة إلى :
في ظل سيناريو الصراع بين ثلاثة إلى ستّة أشهر، فإن الخسائر على لبنان ستكون 500 مليون دولار أميركي في القطاع السياحي، 2% خسائر في الاحتياطي الإلزامي، و3.3% خسائر في الناتج المحلّي الإجمالي.
في ظل سيناريو صراع حتى النصف الثاني من العام 2024، فإن الخسائر على لبنان ستكون 1.6 مليار دولار أميركي في القطاع السياحي، 6% خسائر في الاحتياطي الإلزامي، و9.8% خسائر في الناتج المحلّي الإجمالي.
وفي ظل سيناريو صراع مفتوح، فإن الخسائر على لبنان ستكون 3.7 مليار دولار أميركي في القطاع السياحي، 13.9% خسائر في الاحتياطي الإلزامي، و22.9% خسائر في الناتج المحلّي الإجمالي.
بالطبع هذا الحجم من الخسائر في القطاع السياحي له تداعيات كبيرة على الاحتياطي من العملات الصعبة والناتج المحلّي الإجمالي، نظرًا لمساهمة هذا القطاع في إيرادات الحساب الجاري والتي تفوق الـ 25%، وهو ما يعني أنه على حكومة تصريف الاعمال اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية هذا القطاع، نظرًا لدوره في إدخال العمّلة الصعبة، والذي أصبح أكبر بعد التعثّر العشوائي الذي قامت به الحكومة. لكن ما هي هذه الإجراءات؟
بالطبع ومن دون أدنى شكّ، يأتي العمل السياسي والديبلوماسي في المرتبة الأولى، لمنع تفاقم الاعتداءات «الإسرائيلية» على لبنان، وذلك من باب الاتصالات الدولية والمحلّية، نظرًا إلى ما لسيناريو الاعتداء الشامل على لبنان من تداعيات مالية كبيرة ، قد تصل إلى أكثر من 25 مليار دولار أميركي. ويأتي في المرتبة الثانية الإجراءات الحكومية تجاه القطاع السياحي، خصوصًا من ناحية الضرائب على هذا القطاع والواردة في مشروع موازنة العام 2024. إذ من المعروف أنه وبعد القرار الحكومي بدولرة القطاعات الاقتصادية عبر السماح لها بالتسعير بالدولار، لم يعد الاصطياف في لبنان رخيصًا، مقارنة بدول إقليمية أخرى مثل قبرص وتركيا ومصر. وبالتالي لا يجب إثقال هذا القطاع بالمزيد من الضرائب.
أيضًا وعلى صعيد السياحة الداخلية، تشير الأرقام إلى أن أكثر من مئتي ألف لبناني سافروا بهدف السياحة إلى تركيا واليونان ومصر وغيرها، وأنفقوا مبالغ طائلة هناك كان ليستفيد منها الاقتصاد اللبناني لو أن الأسعار في لبنان أرخص. وهذا الأمر يتطلّب تحفيزا للقطاع لخفض الأسعار، خاصة أنه مع موازنة العام 2024 سيكون هناك طلب أكبر على السياحة إلى تركيا ودول إقليمية أخرى، نظرًا إلى أنه مع هذه الموازنة أصبحت نسبة الضرائب من الأعلى إقليميًا، وبالتالي تُفقد لبنان ميزاته التفاضلية.