Site icon IMLebanon

نحو وصاية دولية على سورية!

 

لم يكن مستغرباً أن تخرج اجتماعات آستانة 5 بفشل في التوصل إلى تسوية للأزمة السورية. لا يخفف من وطأة الفشل قول المبعوث الدولي إلى سورية دي مستورا أن التقدم في اجتماع آستانة هو تقدم بسيط، لكنه مهم وسيتم استغلاله في تحقيق تقدم على الصعيد السياسي في محادثات جنيف المقبلة. حُدد الاجتماع نهاية شهر آب (أغسطس) المقبل موعداً جديداً للمفاوضات، وهو سيكون بالتأكيد على شاكلة الاجتماعات السابقة. فالحل السياسي للأزمة السورية يحتاج إلى اتفاق دولي ترعاه أميركا وروسيا في شكل رئيسي، فيما يتم البحث في ما يمكن أن تنال إيران وتركيا والنظام السوري من حصص جزئية في هذه التسوية. لكن الثابت حتى الآن أن كلا الطرفين الأميركي والروسي لم ينضج طبخة الوصاية على سورية.

استبشرت قوى إقليمية ودولية تعيين مناطق آمنة أطلق عليها «مناطق تخفيف التصعيد». لكن وقائع الأشهر السابقة لم تشهد تطبيقاً لمنع التصعيد، بل استمر النظام مدعوماً من إيران والميليشيات التابعة لها في السعي إلى الحسم العسكري وقضم المناطق غير الخاضعة للنظام، مستخدماً أقصى مظاهر العنف والتدمير. لم يمر ذلك من دون غض نظر روسي ساهم في تشجيع النظام على التقدم نحو مناطق جديدة. في المقابل، لم تردع الضربات الأميركية الجوية ضد بعض مواقع النظام من إكمال هذا الأخير خطته التصعيدية.

في الأسبوع الماضي طرأ تطور في شأن الأزمة السورية قد يكون الأكثر أهمية من كل ما حصل سابقاً. في اجتماع قمة العشرين في هامبورغ، تم الاتفاق بين الرئيسين الأميركي والروسي على وقف النار في جنوب غربي سورية، وبدأ الحديث عن نشر قوات روسية كشرطة محلية لمراقبة وقف النار. قد يكون ما أعلن عنه هو بداية الصفقة الدولية على سورية التي ستحدد مناطق النفوذ لكل طرف. صحيح أن الطرف الأميركي لا يزال متخبطاً في كيفية تحديد موقفه من بقاء الرئيس الأسد أو من رحيله. مرة يعلن أن لا مكان للأسد في التسوية المقبلة، ومرة أخرى يشير إلى أن الهدف ليس الأسد إنما القضاء على الإرهاب، وأخيراً يقول هذا الموقف ببقاء الأسد راهناً ولكن ليس لزمن بعيد. وهي مواقف تعكس عدم الوصول إلى تسوية نهائية مع روسيا تحسم في طبيعة النظام وتركيب الدولة السورية على قاعدة جديدة، ما يجعل الموقف الأميركي متذبذباً في انتظار مظاهر الحل.

في ظل «الطبخات» الجارية، تتحسس القوى الإقليمية الأخرى مواقع أقدامها، وبالنظر إلى الشعور باقتراب تسوية ما، تسعى تركيا إلى تصعيد لهجتها العسكرية، وتحشد جيوشها في الشمال السوري، تحت حجة منع قيام كيان كردي على حدودها قد يشكل خطراً على الأمن القومي لتركيا، لكن الهدف الأبعد لتركيا هو السعي لاقتطاع أراض سورية وضمها إلى الكيان التركي، مستعيدة تجربة إلحاق لواء الإسكندرون في القرن الماضي. ترغب تركيا في تكريس أمر واقع على الأرض يعزز موقعها على طاولة مفاوضات التسوية لاحقاً.

أما إيران، فلا تكف عن تثبيت مواقع نفوذها، سواء داخل أروقة النظام أو على الأرض. تتوجس إيران من الموقف الأميركي الذي لا يكف عن التصريح بضرورة إخراج إيران وميليشياتها من الأراضي السورية. لن تتساهل إيران في إلغاء موقعها في سورية، وهي التي استثمرت فيه بمليارات الدولارات، ودفعت أثماناً بشرية من جيشها، وذاقت لأول مرة طعم تمددها نحو تحقيق الهلال الشيعي الذي يمتد من العراق إلى لبنان، وتشكل فيه سورية الحلقة المركزية. لذا، يتولى الحرس الثوري الإيراني قيادة المعارك في مناطق كثيرة، ويحفر على الأرض مواقع ثابتة تكرس سيطرته. لعل تصريحات «حزب الله» الأخيرة وتسريباته عن معركة مقبلة في جرود عرسال لطرد التنظيمات الإرهابية، تقع في سياق التذكير بموقع إيران، والتحذير من تجاهلها في التسوية المقبلة أو الحد من نفوذها.

يبقى النظام السوري، الحاكم شكلاً لسورية والعاجز عن توظيف ما تقدمه له روسيا وإيران من استعادة نفوذه السياسي أو العسكري. كأن الدور المنوط اليوم هو تدمير ما تبقى من المدن السورية، مقابل بقائه في السلطة.

من المغامرة القول بقرب التسوية في سورية، لكن من الثابت أن سورية مقبلة على وصاية دولية عمادها أميركا وروسيا وتركيا وإيران، كل واحد سيكون له مناطق نفوذه. ولن يكون غريباً أن تشهد سورية دخول «قوات ردع دولية وعربية» إلى أراضيها لتبسط الأمن وتحرس التسوية. قد تشهد سورية «فيلماً» مشابهاً لما قامت به في لبنان عام 1976 عندما شكلت القوى الدولية قوات الردع التي باتت سورية الطابع وتحولت لاحقاً إلى سلطة احتلال للبنان.