Site icon IMLebanon

نحو مواجهة «جدّية» للإرهاب

لا جدالَ بأنّ الحدث العالمي هو في باريس اليوم. الهجوم على صحيفة «شارلي إيبدو» هزَّ كيان فرنسا، وفاجَأ العالم، ومِن المتوقّع أن يترك أثراً مباشراً على أولويات الأمن الأوروبّي والأميركي والدولي في آن.

بعد هجمات 11 أيلول، اندفعَت الولايات المتحدة في حربَين كبيرتين، احتلّت بلدين وأسقطت نظامَي حكم، في العراق وأفغانستان. وبعد مرور أعوام طويلة على هاتين الحربين، ها هو الإرهاب ينمو ويتصاعد ويؤسّس دوَلاً وجماعات وجبهات، ولم يعُد الأمر يقتصر على دولة بعينها أو حدود، لقد أصبح الإرهاب في قلب الشرق الأوسط وأوروبا، ويبدو أنّه قادر على الضرب متى شاءَ وحيثما شاء.

هذا العام تنسحب واشنطن من أفغانستان بعد 13 عاماً من الاحتلال بذريعة محاربة الإرهاب، وكلّ التوقّعات تشير إلى عودة «حركة طالبان» إلى المشهد السياسي والعسكري ربّما بعد خروج الاحتلال.

هل ثمّة فشلٌ أكثر ممّا حدثَ في العراق وأفغانستان وما يحدث في العالم الآن؟ وكيف يستقيم دعم «الربيع العربي» وإسقاط أنظمة مستقرّة وتوريد الديموقراطية الغربية إلى المنطقة، مع مقتضيات «مكافحة الإرهاب»؟ ألم تأتِ الديموقراطية بمحمّد مرسي والإخوان إلى الحكم في مصر؟

منذ فترة طرحَ الرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي مبادرة «ثورية»، تتعلق بتصحيح المفاهيم الخاطئة عند الأجيال عن الإسلام. وهي مبادرة جريئة بالنظر الى الواقع الذي تعيشه المنطقة. لكنّها لكي تصبح قابلة للحياة تحتاج تبنّياً كاملاً من الغرب، وضغطاً مستمرّاً على الدوَل والحكومات التي تدعم وتموّل وتستخدم الإرهاب سبيلاً في الصراع السياسي أو حتى الاشتباك العسكري.

مواجهة الإرهاب تبدأ بتجفيف منابعه ومصادره المعروفة، وإلّا فالتجربة تدلّ على «استثمار غربي» لهذه الورقة من أجل تنفيذ مخططات وأجندات لا علاقة لها بالمنطقة، ولا بمكافحة الإرهاب.

قبل ما يسمّى «الربيع العربي»، وبعدَه، المنطقة العربية والإسلامية تحتاج إلى إصلاح ديني واجتماعي قبل الشروع في تطبيق نُظم ديموقراطية. هذه هي تجربة فرنسا، فقد قامت فيها ثورات على أسُس ثقافية واجتماعية شكّلت ركيزةً لكلّ النهضة التي عاشَتها أوروبا ابتداءً من القرن السابع العشر والثامن عشر. بعد هذه النهضة الإصلاحية بدأت أوروبّا تتلمّس طريقَها نحو النماذج الديموقراطية التي نعرفها اليوم، ومع ذلك فقد خاضت حربَين عالميتين مدمّرتين.

كيف يكون الغرب جدّياً في مكافحة الإرهاب، ويتحالف مع أكثر الدوَل تخَلّفاً. في وسعِ الغرب أن يستثمر في جريمة «شارلي ايبدو» وفي كلّ الهجمات التي يتعرّض لها، لكنّ الاستثمار إمّا أن يكون نفعياً ومصلحياً، وإمّا أن يكون جذرياً في مواجهة التطرّف والإرهاب.

دفعُ المنطقة نحو حروب وعمليات اقتتال دمَوية في العراق وسوريا واليمن وليبيا من شأنه أن يرتّبَ نتائج على كلّ الأمن الدولي. هذا منطق علميّ وبديهي، وعليه تصبح الهجمات التي تشهدها فرنسا، وقد يشهدها العالم مستقبلاً، نوعاً من مفاعيل وتداعيات «إفلات الوحش» في منطقتنا، في ظلّ عالم سقطَت فيه الحدود وأصبح قرية كونية صغيرة تؤثّر وتتأثر بعضها بجوانب بعض.

مواجهة العنف الذي يضرب باريس والذي ضربَ واشنطن ونيويورك ولندن ومدريد قبل ذلك تبدأ وتنتهي في منطقتنا، من القطيعة مع الدوَل والحكومات التي تستخدم الإرهاب في سياساتها اليومية، إلى تجفيف المنابع والمصادر الفكرية للحركات المتطرفة، وإلى خَلق تسويات سياسية تتيح للشعوب المنهَكة شيئاً من الاستقرار والاعتدال، وبعدَها في وسعنا الحديث عن حرب جدّية لمكافحة الآفة الأخطر علينا كعربٍ ومسلمين قبل مجزرة «شارلي ايبدو» البشعة، وبعدها.