Site icon IMLebanon

نحو الإستقلال عن الإستقلال أو الإستقلال عن اللواء

أعترف أنّني لا أعرف كيف أحتفل بعيد الإستقلال، المرة الوحيدة التي احتفلت فيها بهذه المناسبة كانت أواسط الستينات، أيام الرئيس شارل الحلو حين غامرت مع زميل لي في المدرسة الإبتدائية بركوب البوسطة باكراً من بعلبك إلى بيروت لمشاهدة العرض العسكري ثم العودة إلى بعلبك ونحن بمنتهى السعادة. لا أعرف هل كنت سعيداً يومها بالإستقلال الذي لم أفقه عنه شيئاً أو بالمغامرة التي قادتني منفرداً إلى بيروت لأوّل مرة.

لا بدّ من الإعتراف أنّني فكرت مراراً هذا الأسبوع بالإستقلال عن الكتابة في اللواء الغراء لعجزي عن إيجاد ما يمكن كتابته في اليوم الوطني اللبناني كما يفعل الكتّاب بأي مكان بعيد إستقلالهم. وتمنيت لو أنّ هذه المناسبة كانت بالأمس ليكون يوم السبت الذي أكتب فيه هذه الكلمات يوم عطلة ، وهنا أحسد كلّ كتّاب الأربعاء القادم لأنّهم سيتمتّعون بعطلة الصحافة بمناسبة يوم الإستقلال.

علينا الإعتراف أنّنا نعاني من فقدان الحسّ الوطني وهذا طبيعي لأنّنا جميعاً عملنا على تقطيعه إلى أجزاء، ونسينا أنّ الأوطان كالأجسام تموت عندما تتقطّع وتستباح، فكيف يكون لدينا ذلك الإحساس بالوطن إذا كنا نعتقد ان الوطن قد مات؟ وكيف نحبّ الوطن إذا كانت كلّ مجموعة تكره الأخرى، والكراهية تسود بين الأفراد داخل كلّ المجموعات؟ وأي حبّ للوطن سيكون لدى جماعات لا تعرف العيش بعيداً عن الكراهية والعداء؟

مرات عديدة شاهدت في باريس ذكرى 14 تموز بحيث يأتي الفرنسيون الريفيون إلى الشانزليزيه فقط في ذلك اليوم ولا يمكن أن نشاهدهم في تلك المنطقة في باقي أيام العام. في 14 تموز تعود الشانزليزيه إلى فرنسيّتها بالكامل، فهل سيكون يوم الثلاثاء القادم يوم استعادة اللبنانيين لوطنيّتهم؟ وهل سنشعر بالفخر والإعتزاز والوحدة والحرية، أم أنّنا سنشاهد إجتماع الأضداد؟

تساءلت كثيراً لماذا أطلقت ثورة الأرز في 14 آذار على نفسها تسمية حركة الإستقلال الثاني رغم أنّنا لم نحسم بعد توافقنا على كتاب التاريخ الذي يجب ان نعلمه للأجيال. هل كان الاستقلال الاول مع فخر الدين الكبير؟ أو مع بشير الشهابي؟ او مع طانيوس شاهين؟ او عام ١٨٦٠ مع إعلان متصرفية جبل لبنان وقيام لبنان الصغير؟ او 6 أيار 1916 حين علّقت المشانق للشهداء؟ أو 1 أيلول 1920 واعلان لبنان الكبير مع البطريرك الحويك؟ او 1926 مع وضع الدستور الأول ؟ أو ٢٢ تشرين الثاني ٤٣؟ أو 1958 بالاستقلال عن حلف بغداد؟أو 1961بالاستقلال عن دولة الوحدة العربية؟ أو 1969 يوم فقدنا الإستقلال  مع اتفاق القاهرة؟ ثم النزاع والإحتلال والباقي معروف ومؤسف ومؤلم وصولا الى ١٤شباط و٨ آذار و١٤ آذار والخروج السوري من لبنان في ٢٦ نيسان ٢٠٠٥، وصولا الى  الاقصاء والتعطيل  والشغور والفراغ. هل سيكون الثلاثاء القادم  22 تشرين الثاني يوم الإستقلال؟

أعتقد أنّ رغبتي بالاحتفال بعيد الاستقلال تنتاب كلّ اللبنانيين بدون استثناء لأنّ الوطن والدولة والكيان حاجة بديهية لكلّ الناس كالماء والهواء اللذان أصبحا ملوثان ايضا، إذ أصبحنا نخاف ان نشرب أو أن نتنفّس من دون التأكد من نقاء كليهما، وكذلك الاحتفال بعيد الاستقلال بعدما لوّثت السياسات الحمقاء شعورنا بالانتماء وحوّلتنا الى أخوة أعداء، يتربّص بَعضُنَا بعضا، وأصبح كلّ فريق يعتقد أن الوطن له وحده ولا يتسع لأحد سواه.

إنّ التحدي الكبير الآن هو كيف نستعيد شعورنا بالانتماء؟ وهل نحن بحاجة لنخبة تقودنا نحو الاستقلال عن الاستقلال؟ أو الإستقلال عن الكتابة في اللواء؟

أحمد الغز