Site icon IMLebanon

نحو الحكومة المصغّرة

 

بات واضحا ان لا استشارات نيابية ملزمة قبل عودة الرئيس سعد الحريري الى بيروت. ويلقى تمسك الرئيس ميشال عون بالاستقالة الخطية المباشرة، حيزا واسعا من التفهم السياسي، بمقابل تفهم أقلّ لدعاة اعتبار الاستقالة حاصلة لمجرد اذاعتها بصوت رئيسها، دون توقيعه…

 

في الجانب القانوني، حتى الشهود أمام المحاكم، ليسوا ملزمين بالحضور، اذا لم يتبلغوا الموعد خطيا، فكيف باستقالة رئيس حكومة؟

ويرد على هذا بأن بعض المذاهب الاسلامية ترفض الاعتراف بالطلاق خارج المحكمة، بينما بعضها الآخر يعتبر الطلاق حاصلا، لمجرد التفوّه به، وبالتالي كلاهما معترف به رسميا…

وبالطبع مسألة استقالة الرئيس الحريري سياسية لا قانونية، والتجاذب الحاصل حولها سياسي قبل أي شيء آخر، فالذي يتمسك باعتبار الاستقالة حاصلة، يريد تسريع الاستشارات النيابية الملزمة، كي يثبت عجز الآخر عن تشكيل حكومة جديدة، من دون الشروط المفصّلة باعادة التوازن الى التسوية السياسية التي ولدت رئاسة الجمهورية من رحمها، ومثلها الحكومة الحريرية. والذين يرفضون الاعتراف إلاّ بالاستقالة الخطّية، ويصرّون على اعتبار الحكومة قائمة وسعد الحريري رئيسا لها، وليس رئيسا سابقا، غرضه احراج الطرف الآخر من حيث إزكاء الغموض المحيط بوضعية الرئيس الحريري الراهنة، واستثمار هذا الغموض في حقل التعاطف الوطني معه.

ومع لقاء الرئيس عون سفراء الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن اليوم، تكون مسألة عودة الحريري، قد دخلت الحيّز الدولي، ولم تعد ضمن النطاق الاقليمي، حيث هي الآن، خصوصا بعدما فشلت الاتصالات الدبلوماسية في تغيير مجرى رياح الأزمة العاصفة، عدا الرهان على مهمة تواصلية أنيطت بالمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، الذي غادر بيروت الى عمان أمس لاستطلاع أجواء الرئيس محمود عباس العائد من الرياض والوقوف على آخر التطورات.

وكان اللواء ابراهيم التقى المفتي الشيخ عبداللطيف دريان صباحا قبل سفره ووضعه في الأجواء التي ازدادت تلبّدا، بعد دعوة الحكومة السعودية رعاياها لمغادرة لبنان، وعدم العودة اليه أو المرور فيه، ثم حذت حذوها دول خليجية أخرى، وبعد تغريدة الوزير ثامر السبهان الأخيرة، التي يقول فيها: كل الاجراءات المتخذة تباعا في تصاعد مستمر، وبتشدد حتى تعود الأمور الى نصابها الطبيعي….

هذا التحذير أقلق القوم في بيروت، من احتمال تعرّض لبنان لمقاطعة اقتصادية، على غرار غيره… لكن الجواب الايجابي السعودي على رغبة البطريرك بشارة الراعي، بلقاء الرئيس الحريري خلال زيارته للرياض الأسبوع المقبل، ساعد في تهدئة الخواطر، وأحبط اعتقاد البعض بأن رغبة غبطته، لن تستجاب…

وبالنتيجة عودة الحريري ليقدم استقالة خطية واردة في وقت ليس ببعيد، لكن ماذا بعد الاستقالة، وخصوصا اختيار الرئيس المكلف؟ فتيار المستقبل مصرّ على الرئيس الحريري، لكن ظروف الأخير… قد لا تساعد حتى على متابعة تصريف الأعمال ولا ربما في اعادة التأليف، في ضوء الاستنفار الاقليمي الواسع، والحائل دون تراجعات متبادلة على صعيد الداخل اللبناني.

هنا، يبدو ثمة اتجاه للهروب الى أنصاف الحكومات، الى ما يشبه الحكومة الرباعية التي شكلها الرئيس الراحل رشيد كرامي في مطلع عهد الرئيس فؤاد شهاب، وتألفت منه ومن الحاج حسين العويني عن المسلمين والشيخ بيار الجميّل والعميد ريمون اده عن المسيحيين، واستمرت من ١٤/١٠/١٩٥٨ حتى ١٤/٥/١٩٦٠، حيث صار توسيعها.

وهناك أيضا تجربة الحكومة السداسية التي شكّلها العماد ميشال عون عام ١٩٨٨ بتكليف من الرئيس أمين الجميّل والتي تألفت منه ومن اللواء عصام أبو جمرة والعميد ادغار معلوف، عن الجانب المسيحي، والعميد محمد نبيل قريطم والعميد لطفي جابر والعميد محمود طي أبو ضرغم عن الجانب الاسلامي سنّة وشيعة ودروز، وقد اعتذر الضباط الثلاثة الآخرون لتبقى الحكومة العسكرية من الرئيس عون والوزيرين أبو جمرة ومعلوف.

وحتى مثل هذا الحلّ، ليس مهيّأ للصيرورة، طالما انه ليس من السهل العثور على شخصية معيّنة وازنة، للقيام بهذه المهمة الصعبة، خارج اطار التفاهم الوطني، المقبول عربيا… والدليل في حكومتين لم تبصرا النور في مثل هذه الظروف الأولى حاول تشكيلها المرحوم أمين الحافظ وأخفقت في الحصول على الثقة، والثانية كلّف بها الزعيم نورالدين الرفاعي وتهاوت هي الأخرى…