التيار الوطني الحر على حق في وضع الجميع أمام تحدي الميثاقية. وهو على حق أيضاً في إعطاء الأولوية للميثاق على الدستور، مع ان الاشارة الوحيدة الى الميثاق هي في مقدمة الدستور عبر النص على انه لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك. لكن من الصعب إنجاز المهمة التي يطلبها التيار من أركان الحوار في جلسة الخامس من أيلول: الاتفاق على مفهوم واحد محدّد للميثاقية. ومن السهل تصور النقاش الذي يمكن أن يدور اذا أضيف البحث في الميثاق الى بنود الحوار المستمر منذ عشر سنين: سيناريو برج بابل.
ذلك اننا في أزمة خروج على الدستور، من بين وجوه أخرى للمأزق الذي نحن فيه. والمتحاورون المختلفون على تفسير الدستور مرشحون لخلاف أكبر على تفسير الميثاقية وبالتالي روح الدستور. فضلاً عن ان الخلاف في العمق ليس على التفسير بل على التقدير والتدبير لكل ما يتعلق بالعيش المشترك بالمعنى السياسي، لا البيولوجي، حيث المشاركة الوطنية الفعلية هي الأساس في تكوين السلطة وممارستها وبناء مشروع الدولة.
والسؤال هو: كيف تحلّ مشكلة تعقيد مفهوم بسيط هو المشاركة في السلطة، ومشكلة تبسيط مسألة معقدة عملياً هي ممارسة المشاركة في ظلّ التأثر بموازين القوى في الداخل والخارج وتطور الأحداث من حولنا وحسابات الأشخاص الذين يمارسون المشاركة وأمزجتهم؟ أليس لبنان كله الآن خارج الدستور والميثاق بلا مؤسسات تمارس السلطة بالفعل، ومجرد صالة انتظار خيالي لكل ما يدور في المنطقة والعالم من أجل ان نتفق على رئيس وقانون انتخاب وحكومة؟
تجربة ما بعد الاستقلال قدمت جواباً: الميثاق الوطني الذي على أساسه بني استقلال الدولة لم يكن مكتوباً بل بقي في اطار ما سمّي الغموض البنّاء. وهو ظلّ محترماً في الممارسة حين كان في السلطة رجال دولة. واهتز في الخلافات والاضطرابات وغطرسة رجال السلطة حتى سقط في الحرب. وتجربة ما بعد الطائف قدمت جواباً: وثيقة الوفاق الوطني التي صارت دستوراً وجاءت في اطار الوضوح أسيء تطبيقها وجرى التطبيق أحيانا بالمقلوب، بحيث كاد يكتمل إفراغ المشاركة من جوهرها.
وبكلام آخر، فان أزمة المشاركة لم يحلها الغموض البنّاء، ولا الوضوح الذي بدا غير بنّاء. والميثاقية في حاجة الى رؤية موازين القوى وموازين المصالح من الزاوية الوطنية، كما الى رجال دولة يراهنون على لبنان، لا يرتهنون لسواه. وأخطر ما يحدث للميثاقية هو استعمالها في خدمة المعارك السياسية بدل خوض المعارك السياسية في ظلّ الميثاقية.