هل أضحى لبنان بلد الخيبة أيضاً؟
بمعنى أنه ما أن تصدر أي مبادرة، من أي جهة كانت، حتى تعلن وفاتها قبل إكتمال ولادتها… ولا يهم من هو المبادر، بل لا يهم ما هي طبيعة هذه المبادرة.
وأي مبادرة تصدر تواجه (فوراً) بالفتاوى الدستورية؟ وما أكثر عباقرة الدستور عندنا، حتى ليتحوّل أي مندوب صحافي أو حامل شهادة في العلوم السياسية منظراً ومشترعاً في القانون العادي وفي القانون الدستوري… بل في قوانين وأنظمة ودساتير الدول الأخرى أيضاً. أقول هذا مع إحترامي للزملاء المندوبين الصحافيين الذين هم ركن أساس في مهنتنا. وبين هلالين أذكّر بأنّ صحافياً كبيراً مؤسس جريدة «الديار» المرحوم حنا بك غصن وصاحبها ورئيس تحريرها ظل يفاخر ويقول: أنا مندوب صحافي حتى وافته المنيّة.
وفي «السوق» حالياً مبادرتان صادرتان عن موقعين سياسيين مهمين. ومع ذلك يمكن القول انهما تواجهان الرفض ذاته:
مبادرة مسيحيي 14 آذار التي أطلقت من بكركي، وقبلها بأيام مبادرة الجنرال ميشال عون الرباعية التي حملها موفدوه النواب وداروا بها على الكتل والأحزاب والفعاليات ولا يزالون يدورون.
مبادرة الجنرال دار جدال حول مدى إمكانية العمل بها (في المبدأ) بتعديل الدستور أو من دون تعديل. وهنا خلاف عميق في وجهات النظر بين الذين يقولون انها «غير عملية» (في منأى عن المضمون) لأنها تحتاج الى تعديل للدستور… وصاحبها يقول انها لا تحتاج الى تعديل دستوري.
وهذا الجدال مرشح لأن يستمر طويلاً.
ومبادرة مسيحيي 14 آذار ربطها غبطة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي بموقف الرئيس نبيه بري الذي سارع الى إعلان تمسكه بـ«الدستور» لجهة نصاب الثلثين… بينما كان أصحاب المبادرة يقولون انهم هم أيضاً متمسكون بالدستور الذي يقول بأكثرية النصف زائداً واحداً. ونسب بعضهم الى مرجعية نيابية القول تعقيباً على قول النائب الشاب الشيخ نديم الجميل بأكثرية النصف زائداً واحداً: ألم يقولوا للشيخ نديم أن المرحوم والده الرئيس بشير رحمه اللّه إنتظر طويلاً حتى إكتمل نصاب الثلثين فجرى إنتخاب والده وكان مرشحاً وحيداً؟!
هذه هي حالنا… جدال على كل شيء. وخلاف على كل كبيرة وصغيرة. وأزمات يأخذ بعضها في رقاب البعض الآخر. ومأزق يتلوه مأزق …
… والفراغ قائم!
إنه فعلاً برج بابل بمفهومه التوارتي. فلا أحد يفهم على أحد. ولا فريق يريد أن يتفهم الفريق الآخر. حتى اللقاءات المغلقة بين الأطراف (إذا عقدت) سرعان ما يختلفون على تفسير كلام بعضهم البعض فيها!
إلى متى هذه الحال؟!
يبدو أنها مديدة! ويبدو أنّ برج بابل اللبناني هو صورة مصغّرة عن برج بابل الإقليمي الذي يدور الحوار فيه بالمدافع والصواريخ والطائرات.
ولكن الى متى يستطيع هذا الوطن، بل هذا المواطن، أن يحتمل؟!
وهل كُتب علينا صيف آخر من دون سياح يضخون جرعة «مقويات» في جسم الإقتصاد اللبناني الذي بلغ ذروة معاناته؟!