Site icon IMLebanon

تريسي شمعون سفيرة الشهداء

عندما قرأتُ: أنَّ الرئيس ميشال عون سيطرح إسم تريسي داني شمعون سفيرةً في الأردن من خارج الملاك، أَشْعرَني هذا الخبر بأنَّ النزعة الإنتفاضية التي كان يتميَّز بها ميشال عون الزعيم، بدأت تظهر مفاعيلها على ميشال عون الرئيس.

ليس، لأنَّ في هذا التعيـين بعضاً من العدالة: بين مَنْ هو قاتـلٌ، ومَنْ هو قتيل، بل لأنَّ معظم الذين احتكروا مراكز السلطة والقيادة السياسية والحزبية في هذا البلد المنكوب هم من القَـتلَة، يحكمون بشريعة الملوك ومِنْ بعدِهم أبناؤُهم … أما أبناء الشهداء فهم عند ربّهم يُرزقون.

منذ أن أوْهَمونا بأن الحرب الدموية والميليشياوية قد انتهت في لبنان مع العبور الى الدولة، كانت كل الجهود منصبَّةً على إرضاءِ القاتل، ومع أن القتيل كان يرضَخُ مكرهاً ويرضى بما كتبتْ له الأصابع الحمراء، فإنّ القاتل لم يتوقّف عن المتاجرة بالدم السياسي وعن قتْل النفْس بعد الجسد، وما زال يقتل نفْساً بغير نفس، ويقتل كل أمجاد الماضي، ويقتل كل فرَص الحاضر، ويقتل كلَّ طموح الأجيال ومستقبل التاريخ.

كلُّ الشهداء الذين سقطوا على يد الميليشيات الفلسطينية والفصائل العربية والوصاية السورية، هُم الذين ماتوا في سبيل لبنان لنحيا.

ولكن، في سبيل مَنْ استشهد: رشيد كرامي، وطوني فرنجية، وداني شمعون، ومن أجل أيِّ لبنان ماتوا … ومِنْ أجْلِ أنْ يحيا مَنْ …؟

تعيين تريسي شمعون سفيرة، هو نوع من الثأر الأدبي، وطنياً وسياسياً ومارونياً، والثأر الأدبي يصبح حقّاً على الدولة مقابل المسامحة بالثأر الدموي.

في العصر الجاهلي، كان يؤمن العرب بأنه إذا قُتِل قتيلٌ ولم يُؤْخَذ بالثأْر تخرج من رأسه أصواتٌ تصرخ إسقوني حتى يُؤْخذَ بثأره.

ونحن في هذا اللبنان إنْ رجع بنا التاريخ الى الحقبة الجاهلية الأولى بما كانت عليه من بداوةٍ وتخلّف وفوضى، إلاّ أن الجاهليين مع هذا، كانوا يتحلّون بالشجاعة والشهامة والكرم وعفّة النفس وإغاثةِ الملهوف والحرص على الجار، فإنْ همُ استضافوا ضيفاً نحروا له وأَحلّوه في الصدارة.

ونحن، إذ نعيش في عصرهم فلم نتخلَّق بأخلاقهم، إلاّ عندما نحلّ الضيف في الصدارة وننحر له حتى أنفسنا.

فخامة الرئيس.

لعلّ في هذه الخطوة من مسافة الألف ميل إيحاءً لاستصواب مسيرةِ السلطة المستخفّة بمصير العباد والغارقة في دياجير الفساد، والفساد على ما يقولون: يبدأ بسرقة أموال الناس وينتهي بسرقة أحلامهم.

نعم: لا يمكن انتشال الوطن من عصور الجاهلية إلا بالإصلاح والتغيير، والإصلاح يبدأ بتغيير الوجوه قبل تغيير ما في النفوس، فالنفوس أمّارةٌ بالسوء والطبع يغلب التطبّع، والطبقة القيادية والسياسية التي ارتقتْ الى السلطة على جماجم ساحة الحرب، لا تزال تمارس القتل السياسي اليومي على جماجم ساحة السلم ..

يقول تشرشل: «السياسة أخطر من الحرب، لأنك في الحرب تقتل مرة واحدة …»

ونعم . . ياصاحب الفخامة صدقْتَ في تعيين تريسي شمعون سفيرة من خارج الملاك، لأنه ليس هناك ملاكٌ، لا داخل هذه السلطة ولا داخل هذا الملاك.