IMLebanon

عجز الميزان التجاري 15.5 مليار دولار حتى أيلول

 

يُظهر تحليل أرقام الإستيراد أنّ لبنان إستورد حتى أخر شهر أيلول من العام 2018 ما يوازي 15.5 مليار دولار أميركي حيث تُظهر تفاصيل هذا الرقم السلوك الإستهلاكي السيّئ للمواطن اللبناني كما عجز الدوّلة اللبنانية. واللافت أنّ العديد من المواد المُستوردة يُمكن تصنيعها في لبنان من دون أن تكون هناك حاجة لتقنيات عالية ما قدّ يؤمّن وفراً بقيمة 8 مليارات دولار أميركي سنوياً.

 

بلغ إستيراد لبنان خلال الأشهر التسعة الأولى من العام 2018، 15.5 مليار د.أ موزّعة على الشكل التالي (بحسب الجمارك): 3.4 مليارات د.أ من النفط ومُشتقاته، 1.77 مليار د.أ من الآلات والأجهزة والمعدات الكهربائية والإلكترونية، 1.66 مليار د.أ من منتوجات الصناعات الكيماوية، 1.33 مليار د.أ من السيارات وقطع غيار لها، 1 مليار د.أ من اللؤلؤ الطبيعي والأحجار الكريمة والمعادن الثمينة، 996 مليون د.أ من الأغذية المُصنّعة، المشروبات، السوائل الكحولية الخل، والتبغ، 978 مليون د.أ من المعادن العادية ومصنوعاتها، 754 مليون د.أ من الحيوانات الحية والمنتجات الحيوانية إضافة إلى 709 ملايين د.أ من المنتوجات النباتية، 577 مليون د.أ من المواد النسجية ومصنوعاتها… (أنظر إلى الرسم البياني للائحة كاملة).

 

بالطبع تبقى الفاتورة الحرارية الأكبر مع إستيراد لفيول كهرباء لبنان بقيمة 1.6 مليار د.أ على الأشهر الثمانية الأولى من العام 2018. لكن أمام هذا العجز في أحد أهم مرافق الدولة هناك خلل في السلوك الإستهلاكي للمواطن اللبناني يواكبه ضعف في الماكينة الإنتاجية اللبنانية.

 

فقد إستورد لبنان من الجبنة خلال الأشهر التسعة الأولى من العام 2018 ما قيمته 200 مليون دولار أميركي ومن الألبان 147 مليون د.أ ومن الزبدة 59 مليون دولار أميركي ليصل مجموع ما استورده من ألبان، أجبان، بيض وعسل إلى 413 مليون دولار أميركي على الفترة نفسها!

 

أيضاً بلغ إستيراد لبنان من الحيوانات الحيّة 442 مليون د.أ إضافة إلى 164 مليون من اللحوم و114 من الأسماك وثمار البحر. ولم تقلّ قيمة إستيراد المنتوجات الزراعية عن هذا المستوى مع 318 مليون د.أ من البطاطا، البندورة، البصل، الخضر والفواكه… 587 مليون د.أ من الحبوب (قمح، أرز، شعير…). والصادم في هذه الأرقام هو إستيراد مياه بقيمة 46 مليون د.أ (بلد المياه يستورد مياه!). ولكي يكتمل المشهد، بلغت قيمة الإستيراد من المُستحضرات التجميلية 329 مليون د.أ.

 

الهدف من إظهار هذه الأرقام هو تسليط الضوء على نقاط أساسيّة عدّة:

 

  • أولاً – سلوك المواطن الإستهلاكي الذي يُفضّل البضائع الأجنبية على البضائع اللبنانية في حال وُجدت. وهذا الأمر يقضي على الشركات المحلّية لصالح الشركات الأجنبية كما أنه يقضي على وظائف اللبنانيين (إن وُجدت) من خلال إجبار الشركات التي تسعى للمحافظة على ربحيتها إلى طرد العمّال اللبنانيين وإستبدالهم بيد عاملة أجنبية.

 

  • ثانياً – عجز الماكينة الإنتاجية عن سدّ حاجة السوق الداخلي حيث نرى أنّ البضائع والسلع المُستوردة والموجود مثيل لها في لبنان، تفوق قدرة الشركات اللبنانية على إنتاجها. ويعود السبب بالدرجة الأولى إلى غياب الإستثمارات في هذه الشركات التي لا تُفكر في تكبير حجمها ليس فقط لسدّ حاجة السوق بل لمنافسة البضائع الأجنبية إن من ناحية الكلفة أو من ناحية الجودة.

 

  • ثالثاً – غياب القطاع الزراعي والصناعات الزراعية بشكل كبير عن السوق مع العلم أنّ هذا الأمر غير منطقي. فالطلب موجود ويكفي فقط تلبيته من خلال زراعة تعتمد على التقنيات الحديثة من ريّ وزراعة وتصنيع وتوضيب كل ذلك ضمن معايير تجعل القطاع الزراعي قادراً على تلبية حاجة السوق اللبناني. هل يُعقل أنّ لبنان يستوردّ قمحاً وهو الذي كان مُخطّط له من قبل الفرنسيين أن يكون المصدر الأساس لتزويد أوروبا بالمنتوجات الزراعية؟

 

  • رابعاً – عجز الدولة عن تنظيم اللعبة الإقتصادية وهي التي فتحت أسواقها للمضاربة الخارجية مع علمها أنّ الشركات اللبنانية والمزارع اللبناني غير قادرين على المضاربة؟ إنّ عجز الميزان التجاري يؤدّي إلى ضرب الشركات المحلية، زيادة البطالة، زيادة الدين العام، ضرب ميزان المدفوعات، الضغط على الليرة اللبنانية، إلزام مصرف لبنان رفع إحتياطه، إرتفاع الفائدة… كل هذا بسبب عجز الدوّلة على تنظيم هذا اللعبة الإقتصادية.

 

من هذا المُنطلق على الدوّلة اللبنانية القيام بالخطوات التالية:

 

  • أولًا – إعادة تنظيم القطاع الزراعي وتأهيله وضخ إستثمارات فيه لتشجيع الزراعات التقليدية مثل القمح، الفواكه والخضار وكل المنتوجات التي يستوردها لبنان. إعادة التأهيل هذه تمرّ عبر الإستثمار في أنظمة ريّ حديثة كما وإدخال الماكينات الحديثة والتكنولوجيا إلى هذا القطاع. هذه الإستثمارات يجب أن يقوم بها القطاع الخاص الذي يجب أن يضمن السوق اللبناني من خلال رسوم جمركية على إستيراد المنتوجات الزراعية المُستوردة.

 

أيضاً يتوجّب تشجيع الصناعات الزراعية فعلى سبيل المثال الشعير ومنتجاته شكّلا فاتورة بقيمة 155 مليون د.أ على الأشهر التسعة الأولى من العام 2018 وهذا الرقم كفيل بتوظيف آلاف العُمّال وتنمية الأطراف.

 

  • ثانياً – وضع رسوم جمركية على كل المنتوجات الصناعية المُستوردة والتي تُنتج مثيلها شركات لبنانية، أما المنتوجات الصناعية الأخرى فيتوجّب تشجيع القطاع الخاص على إنشاء مصانع لإنتاجها. فمثلاً يستورد لبنان بقيمة 580 مليون د.أ سنوياً فقط من الأنسجة ومنتوجاتها وهذا الأمر لا يتطلّب تقنيات عالية ولا إستثمارات باهظة. إذاً لماذا لا تقوم الدولة بتوجيه المُستثمرين نحو هذا القطاع.

 

وعلى مثال هذا القطاع هناك عشرات القطاعات الأخرى التي لا تتطلّب الكثير من التقنيات العالية مثل صناعة الخشب، الصناعات البيتروكيماوية، الزجاج، الألومينيوم،… وحدّث ولا حرج. نعم يُمكن للبنان توفير مليارات الدولارات في القطاع الصناعي عبر إنشاء مصانع محلّية ونشرها على كامل الأراضي اللبنانية.

 

ويبقى الحديث عن السيارات التي يستورد منها لبنان بأرقام خيالية كل عام (مليار دولار أميركي). وبما أنّ صناعة السيارات تتطلّب تقنيات عالية، لماذا لا يتمّ القيام بمفاوضات مع شركات عالمية (الماركات الأكثر إستهلاكاً في لبنان) للقيام بتجميع هذه السيارات في لبنان. هذا الأمر قد يخلق فرص عمل لآلاف اللبنانيين ويُخفّض من كلفة الإستيراد، ولمَ لا قد يُصبح لبنان منصّةً إقليمية للأسواق العربية والأفريقية.

 

  • ثالثاً – أصبح أكثر من ضروري مُعالجة مُشكلة كهرباء لبنان التي من الواضح من خلال الأرقام أنه لا يُمكن الإستمرار على هذا النهج. وبالتالي يتوجّب إشراك القطاع الخاص بأسرع وقت مُمكن رأفةً بالخزينة العامّة وبالمواطن اللبناني.

 

هذه الإجراءات إذا ما تمّ تنفيذها تسمح للبنان بحسب الحسابات التي قمنا بها، بتوفير ما لا يقلّ عن 8 مليارات دولار أميركي سنوياً إضافة إلى خلق عشرات آلاف الوظائف، وما لهذا الأمر من تداعيات على الإنماء المناطقي خصوصاً إذا ما تمّ تحفيز النشاط الإقتصادي على الأطراف.

 

بالطبع كل هذا لا يُمكن أن يتمّ إلّا من خلال إرادة واضحة للسلطة السياسية في معالجة المُشكلة الإقتصادية التي إذا ما استمرّت سترفع من دين لبنان العامّ عملاً بالمبدأ أنّ الدولة التي تستورد أكثر ممّا تُصدّر، مُلزمة بالإستدانة لتمويل الفائض في الإستيراد.