Site icon IMLebanon

تجّار الجوع والعتمة

 

أبشِر أيها اللبناني… لا كهرباء بعد اليوم. ستغرق في العتمة، لا يهمّ كيف ولماذا. المهمّ أن عليك تدبير شمعة تكسر حدّة قدرك المظلم.

 

ومع غياب أي رقابة لحساب الفوضى والجشع، قد لا تجد هذه الشمعة بثمن مقبول. فتجّار الجوع لن يوفّروا الفرصة ليزيدوا همومك ويضاعفوا أرباحهم وِفق مبدأ العرض والطلب.

 

وفي حين تلهث لتؤمّن مستلزمات الحياة بحدّها الأدنى وبالتكاليف الأقصى، تستمر معركة كسر العظم بين أركان منظومة الفساد حتى تسفر عن رابح يحقّق كرامتك وِفق طائفتك، وليس وِفق حقّك كمواطن وإنسان.

 

فإذا كنت مسيحياً عليك ألا تشعر بهذه العتمة، وإلا تكون متنازلاً عن حقوقك ومتآمراً على العهد القوي الذي يصارع ليحقّق لك جرعة من العنفوان تغنيك وتغذّيك، فلا يضيرك اختفاء معظم السلع عن رفوف المتاجر بعد تجاوز سعر صرف الدولار الخمسة عشر ألفاً، لتعود وبمعزل عن اللعب صعوداً ونزولاً في الأسواق السوداء، وبأسعار جديدة مرتفعة من دون حسيب أو رقيب. المهمّ الإستمرار في المعركة لإضعاف مقام رئاسة الوزراء الذي حظيَ بإمتيازات على حساب رئاسة الجمهورية بعد إتفاق الوفاق الوطني في الطائف.

 

وإن كنت شيعياً ومن البيئة الحاضنة، فليس عليك في الأساس أن تبحث عن كرامتك، فهي في فائض من القوة المرتبط برأس المِحور ودولاراته الوفيرة، ما يؤهّلك لتلبط الحائط فتهدّه غير عابئ بأي من حوائج الدنيا الحقيرة.

 

ولا لزوم لتشغل بالك، فالجنّة ملك يديك… أما الكفّار الذين لا مناعة إيمانية تحصّنهم، فلهم أن يشغلوا بالهم بسعر صرف الدولار وبالسلع المدعومة أو غير المدعومة وبالعتمة، لأنّ نور الله لا يشعّ في قلوبهم. وأي كلام غير ذلك هو مؤامرة على المقاومة والمِحور… والأهمّ أن لا حكومة تدير أحوال الناس وشؤونهم إلا متى نضجت تسويات المِحور… ويمكن لمن يشاء أن يتمرّن على تسديد ضربات جزاءٍ في الوقت الضائع، وصولاً إلى مؤتمر تأسيسي يغيّر المعادلات الراهنة بما يتناسب وفائض القوة من خلال السلاح غير الشرعي المدعوم من رأس المِحور المسيطر على هلاله.

 

أما إذا كنت سنّياً، فأنت محبط… محبط. أياً كان سعر صرف الدولار ومهما ارتفعت أو تدنّت ساعات تقنين الكهرباء، فالعتمة تغرق وجدانك، وكرامتك مسفوكة سلفاً.. ومظلوميتك تطغى على ما عداها. لا حلّ لك إلا باستعادة مقام رئاسة الوزراء هيبته بعد أن استهدفته الطوائف الأخرى لتهمّشه وتذلّه.. أما بناء دولة مؤسسات بعيداً من الطوائف والمحاصصات فتلك مسألة مؤجّلة حتى ترفع عنك مظلوميتك.

 

ووِفق هذه المعطيات، عليك أيها اللبناني أن تدبّر أمورك وتدير حياتك. وانتبه… لا توسّع البيكار. فجلّ ما تستطيعه هو التفكير بتأمين الضروريات فقط لا غير. أي أن تصلّي لتحصل على خبزك كفاف يومك. ذلك أنّ تجّار الجوع لن يتركوا لك أكثر من ذلك وأنت مشغول بما يتعرّض له زعيمك الذي يختصر طائفتك.

 

ففي غياب الدولة ومؤسساتها نظراً لأنّ أركان المنظومة الفاسدة مشغولون بحروبهم الكونية المتعلّقة بثلث معطّل وبمؤتمر تأسيسي وبالاعتراض على تجاوز الدستور متى تعلّق بمصالح خاصة تتلطى بكرامة الطائفة، ليس في الساحة إلا تجّار الجوع، يصولون ويجولون ويتباكون على الأزمة التي تهدّدهم وترغمهم على حرمان الشعب من لقمة عيشه… إلا إذا دفع بالتي هي أحسن من لحمه الحيّ.