IMLebanon

السياسة التقليدية تتغيّر دولياً.. والمطلوب التنبّه لبنانياً

تفيد مصادر ديبلوماسية، أن مواقف المسؤولين في الدول الكبرى وطريقة تعاطيهم مع شؤون المنطقة، تدل على أن هناك موجة عالمية جديدة مرتبطة بعوامل عديدة، تؤدي إلى أن تكون السياسات التقليدية للدول عرضة للتغيير. ما يحتم على لبنان ودول المنطقة التنبه للأمر، لأن ما يطال كل الدول جعل سياساتها تتغير. والخطورة، بحسب المصادر، أن ليس فقط بعض المرشحين الفرنسيين للرئاسة يتحدثون وفق مواقف تفاجئ الجميع، بل أن الرئيس الأميركي أيضاً يتأثر بهذا المناخ الذي فرضته عوامل متنوعة. بالنسبة إلى الغرب، هناك في سوريا طرفان، النظام و»داعش»، وقد نجحت روسيا في تصوير الأمر للغرب على أنه كذلك. فاعتبر الغرب أن الاسد يبقى أفضل من « داعش «.

اليمين المتطرف له علاقات جيدة مع روسيا التي تؤكد له أن الأسد يبقى أفضل من الإرهاب. ليس محسوماً أن تنجح المرشحة اليمينية المتطرفة مارين لوبن في الإنتخابات وقد يفوز ماكرون في الدورة الثانية. لوبن تحدثت عن بقاء الأسد، كما أن ماكرون في الوقت نفسه غير معروف السياسة. لكن التوجهات الجديدة جاءت نتيجة النزوح القوي إلى أوروبا، ونتيجة الهجمات الإرهابية، والوضع الإقتصادي الداخلي غير المستقر. هذه العوامل أدت إلى ردة فعل ظهرت في المواقف السياسية. واليمين المتطرف في أوروبا أساساً هو ضد الأجانب، وضد العولمة التي لم تؤدِّ إلى تحسين الإقتصاد. والرئيس الأميركي أيضاً على خط موازٍ طلب إلغاء اتفاقيات إقتصادية مع كندا والمكسيك، ودول الهادئ، ووضع ضريبة على الواردات الأميركية. وهو في طريقة أخرى يستعيد حدود ما قبل العولمة، ويعمل على إعادة الشركات إلى الولايات المتحدة. وهو تراجع عن الكثير من الإجراءات التي اتخذتها الإدارة السابقة. وجاءت ذيول الأزمة السورية ومعها الإرهاب ليبلورا مواقف غربية جديدة ليست حباً بالنظام، بل بتفضيله على الإرهاب.

وداخل الإتحاد الأوروبي، كانت الفترة السابقة مشوبة بالنزاعات حول السياسة الخارجية. والرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الذي يتميز بمواقفه المتقدمة حيال وضع سوريا، لم يتمكن من القيام بعملية عسكرية واحدة فيها من دون مساعدة الاميركيين.

منذ سنوات تراجع الدور الفرنسي في المنطقة، والسياسة الفرنسية ما بعد الإنتخابات الرئاسية ستتغير حيال المنطقة، لكن تجاه لبنان لن يكون هناك تغيير ملموس. فقط لبنان يتأثر بشكل غير مباشر من جراء تغيير السياسة مع المنطقة، ولا سيما إذا تغيرت تجاه سوريا.

الآن تتجه الأنظار إلى نتائج الإنتخابات الفرنسية التي ستكون مؤثرة في السياسة الخارجية الأوروبية، على أن اليمين المتطرف خسر في النمسا، ولا يتوقع له الربح في ألمانيا. والسؤال «إلى أي مدى سيصمد المد اليميني المتطرف، مع الإشارة إلى أن فرنسا « القوة العظمى» لم تستطع عبر الإتحاد أن تتخذ حجماً أكبر؟».

لوبن كان موقفها واضحاً بالنسبة إلى النظام السوري وضرورة أن يبقى في السلطة، هي تحتاج إلى أصوات دعم خارجية تبعاً لقضايا المنطقة. وهي لا تمانع بدعم روسي، لا سيما وإن منافسها فرانسوا فيون موقفه ضعيف ويفتش عن دعم يقال أن الروس يقومون بذلك.

لوبن تبدو الأقوى، وهي انقلبت حتى على والدها العنصري والنازي، وتقربت من إسرائيل. والدها ضد السامية، والتوقعات أن تفوز في الدورة الأولى، لكن في الثانية فوزها غير مضمون. هناك إذاً خطورة في أن يخترق اليمين المتطرف في فرنسا الترشيحات ويفوز. وإذا أصدر القضاء الفرنسي حكماً حول قضية فيون واستكمل معه التحقيق، وبات وضعه في خطر، قد تفوز لوبن. لكن المجتمع الفرنسي يدرك تماماً أنه بات تقليداً فرنسياً سياسياً بأن تحقق العائلة مكاسب من جراء وجود أحد ابنائها في السلطة. وفيون ليس الأول والأخير في هذا المجال. ما يعني أن هناك إمكانية أن يكمل معركته. وإذا تمّت محاكمته فستنحصر المعركة بين لوبن وإيمانويل ماكرون.

اليمين المتطرف في أوروبا بات توجهاً موجوداً بقوة، إنه ضد العولمة، ويلعب على وتر الإقتصاد، وضد العقوبات على روسيا، وضد تراجع اليورو وخسارته، وضد توقف تصدير لحوم الخنزير إلى روسيا. ومثلما لعب دونالد ترامب في الولايات المتحدة على وتر الإقتصاد والمعامل التي تقفل، فإن اليمين المتطرف يلعب على الوتر ذاته. ففي أوروبا معامل تقفل وبدأت انتاجها من المغرب وتايلاند والصين.

الآن يبدو أن العالم يتغير وأن العولمة تتراجع، والناس تنطوي، وتقفل حدودها وترفض الآخر، وهناك تدابير أقوى في حق النازحين إلى أوروبا، وهناك كراهية أكثر، وإنسحاب بريطانيا من الإتحاد يشكل خطراً عليه. وفي هولندا أيضاً نزعة اليمين المتطرف واضحة في الترشح للإنتخابات وإمكانات الفوز والاحصاءات تأتي لمصلحة هذا التوجه. فيما وضع ألمانيا مختلف وهي تشكل صمام الأمان في الإتحاد الأوروبي. في مرحلة التفاوض السوري – السوري، في جنيف، يبدو أن الأوروبيين مضعضعين، ومن مصلحتهم أي شيء يؤمّن إستقرار سوريا لكي لا يأتي لاجئون سوريون إلى أوروبا. هذا العامل يؤثر في التوجه لدعم النظام، فالروس يدفعون للوصول إلى إتفاق معين، والحركة الدولية لا تتحمل تبعات الأزمة السورية، لا في الإقتصاد ولا في اللاجئين. والسياسة الأميركية غير واضحة بعد.