Site icon IMLebanon

توب 10 طرقات الموت في لبنان… حبل الموت الطويل

 

 

أكثر من خمسين وزير أشغال في ثمانين عاماً

 

شابتان وشاب، في الـ”تعش”»، إنضموا الأسبوع الماضي الى قوافل ضحايا حوادث السير في لبنان. لا نعرفهم لكننا ذرفنا الدموع عليهم كما سبق وذرفناها على جورج وزينة ومحمد ونبال وماري ووئام وشربل وجوزف وريمون وليليان و… والقافلة لا تنتهي. لكن، ماذا بعد البكاء وضجيج اللحظة والعيون التائهة والغضب الكبير؟ ننسى؟ ننهمك بالدنيا وما فيها وننسى؟ هناك نهر الموت وكوع الموت وطريق الموت ونفق الموت وأوتوستراد الموت. ثمة top 10 أيضاً في أشكال الموت بحوادث سير في لبناننا العظيم. فمن يحلّ أوّل على اللائحة التي يربح فيها من يحصد العدد الأكبر من الأرواح؟ يا لطيف ملّا بلد!

نبت الشعر على لسان زياد عقل ورفاقه وهم ينادون: «زبطوا الطرقات… طبقوا قانون السير». لكن، على من تقرأ مزاميرك يا داوود؟ زياد نعرفه منذ زمن ونعرف رفاقه. هم شبابٌ يصلحون أن يكونوا وزراء في لبنان للسلامة المرورية، وليس وزراء طارئين، في حسابات ومحسوبيات سياسية، يقسمون أمام أرواح ضحايا الطرقات ويعدون بإنجازات – بموازنات شحيحة – وينسون. لا نتكلم فقط علن الوزير علي حميه بل على أكثر من خمسين وزيراً للأشغال والنقل تعاقبوا منذ العام 1944 حتى 2023، بدءاً من سليم تقلا وصولاً الى علي حميه. فسيناريوات الموت على طرقات لبنان لا تنتهي.

 

إنتهى قبل أن يبدأ

 

يا الله كم مات من شبابنا وشاباتنا في ثمانين عاماً. يا الله كم هناك أنين في كل الأرجاء. يا الله كم شربت طرقات لبنان دماء في موت رخيص رخيص. ننظر في وجوه داريا وميريلا ومحمد، طلاب البلمند، الذين ستقام صلاة لراحة أنفسهم غداً في الجامعة. وسيترافق ذلك مع غضب من طرقات الموت، على أن تسدل الستارة عليهم لتفتح في لحظة ما، لحظة متجددة، مشهدية موت جديدة. داريا أو «دار» كما يحلو لأصدقائها وإخوتها شريف ووسام وغيدا مناداتها أتت الى لبنان من الغربة لتتابع دراستها في البلمند وتؤسس لمستقبلٍ تعرف أنه – في بلدنا – مجهول. هو مستقبلٌ إنتهى قبل أن يبدأ. ميريلا كانت ايضاً في فنزويلا ورجعت الى بلد ظنّ أهلها أنه سيكون آمناً لها. أخطأوا. ومحمد، الشاب محمد، إنتهى عمره هو ايضا باكراً في اللادولة. ترى لذلك نسمع بأسماءٍ مناطقية فيها موت في بلدنا مثل: وادي جهنم وكوع المشنقة ونهر الموت ووادي الجماجم وحرش القتيل والقيطع الميتة؟ الشباب الثلاثة ماتوا على أوتوستراد شكا. فهل يستحق تسمية أوتوستراد الدم. هل يستحق أن يتوّج أول على لائحة «توب 10» لطرقات الموت في لبنان؟ لا نفع من الكلام؟ نعرف، لكننا سنبقى نتكلم ولن نستسلم «بلكي بيصحى ضمير دولة بلا ضمير». يُقال في لعبة الشطرنج أن لا أحد يربح من خلال المراهنة على كل خطوة، في بعض الأحيان علينا أن نتحرك للخلف لنتقدم خطوة الى الأمام. فلنراجع، بالعودة الى الوراء، طرقات الموت علّ «دولتنا» تحسّ على دمها وتتحرك.

 

ماذا في توب 10 طرقات الموت في لبنان؟

 

يأتي أوتوستراد شكا أول. فكم من مرة ومرة سمعنا عن حادث مأسوي مروع على ذاك الاوتوستراد؟ كثير من الحوادث هناك تحصل بين سيارات وشاحنات والحل يكون بتجهيز مؤخرة وجوانب الشاحنات، بحسب اليازا، بواقيات معدنية رخيصة التكلفة. ترى لو كانت الشاحنة، ذات اللوحة السورية، مجهزة بها لكانت دار ما زالت تضحك؟ قبل أن يأتي علي حميه كان ميشال نجار، إبن الشمال، الذي يروح ويجيء يومياً على الأوتوستراد. سألناه: عن ظلام نفق شكا الدامس فأجاب: «نحتاج الى مولد وإعادة تأهيل الإنارة. والمشروع بحاجة الى تمويل. ونحن في حكومة ووزارات بلا إعتمادات». يعني، الحق على الطليان.

 

ثانياً، يحلّ الأوتوستراد العربي على قائمة الموت. السيارات تسلك هذا الأوتوستراد من جهة واحدة بسبب غياب أي إرشادات للسائقين عليه. مجلس الإنماء والإعمار هو من نفذه لكنه لم يتابعه، ما جعل سلوكه بمثابة انتحار. هناك وصلة على هذا الأوتوستراد مربوطة بطريق تعنايل المصنع، بطريق الشام. هي تحويلة مؤقتة. هناك، على هذا الطريق، توفي جورج الراسي وزينة المرعبي. هل نسيتم؟ سيارة جورج إصطدمت بفاصل إسمنتي فكانت النهاية. وكم قبله – وعلى الأرجح بعده – لاقوا نفس المصير. بعد مقتل الراسي قيل بدأوا أعمال تدشين الطريق فحضرت آليات من بلدية مجدل عنجر. أعمال بالتجزئة في غياب – وعجز – وزارة الأشغال.

 

ثالثاً، ليليان عطالله، الزميلة والصديقة ماتت – أو بالأصح قتلت، قبل 13 عاماً على أوتوستراد نهر ابراهيم. عبرت ليليان مع ضحكتها الجميلة على طريق ملعون بعدما ارتطمت بعمود الكهرباء في وسط الأوتوستراد. نقرأ في حوادث السير. يومياً هناك قتلى وجرحى على ذلك الطريق، قرب سوق الخضار بالتحديد. حوادث مروعة تحصل هناك، حيث لا إنارة ولا إشارات مرورية ولا «دولة». وحين تغيب الدولة يحل الفشل والموت. ولكل مقام مقال ولكل دولة رجال. ودولتنا بلا رجال. فحدثوا ولا حرج عن أوتوستراد الموت على طريق نهر ابراهيم.

 

رابعاً، تحصد طريق عام عجلتون – كسروان عشرات الضحايا، بين قتلى وجرحى سنوياً. في عام واحد، في 2015، حصد هذا الطريق 15 قتيلاً. ضعوا اسم الطريق على محرّك البحث «غوغل» وأضيفوا كتابة حوادث السير وستصعقون. حوادث يومية تحدث هناك، على ذلك الطريق، الذي بينه وبين بيروت 28 كيلومتراً وبينه وبين الأمان عصور. شربل أبي نخول، رامي الحاج، سيلفي عبد الساتر وغيرهم وغيرهم عبروا الى دنيا الحق من هنا حتى استحق الطريق تسمية طريق الموت. صحيح أنه وضعت هناك فواصل إسمنتية إلا أن الموت ما زال لازمة هناك. الامر بحاجة الى دولة ونحن – تذكيراً – بلا دولة.

 

الموت في الزهراني

 

خامساً، طريق دير الزهراني – النبطية. نقرأ في آخر حوادث سير على ذلك الطريق: قتيل و4 جرحى. ثلاث إصابات. مقتل مواطن وإصابة ابنه في حاث مروع. أوتوستراد الموت يرعب دير الزهراني… تبعد دير الزهراني عن العاصمة بيروت 69 كيلومتراً فلهذا لا تراها الدولة مع العلم أن المصيلح قريبة! غريبٌ أمر ما يُسمى دولة. صراخ الناس كثير. أنينهم موجع. لكن، لدى دولتنا هموم أكبر من ذلك. هي مشغولة بفسادها. فما لهم ولها، فليدفنوا موتاهم ويتكلوا على الله وحده وعلى التنبيه من «غفلة الموت».

 

سادساً، جسر البالما. كم سمعنا في الأعوام الأخيرة باسمه. هناك، عند هذا الجسر، حصلت إعتصامات كثيرة. الناس ثاروا على كل الفساد. لكن، في الموازاة، هناك فساد ساطع مثل الشمس يحصد ضحايا حوادث سير بالعشرات. والناس، على مرّ الأعوام، يصرخون: بعض التدابير البسيطة تنقذ أرواحاً كثيرة. لكن، الدولة صماء بكماء عمياء. جسر البالما يقع عند المدخل الجنوبي لمدينة طرابلس. وهذا الجسر – اللعنة بات بالفعل وسيلة عبور من الدنيا الى الآخرة. البارحة، قبل يومين، سمعنا: حادث مروع يودي بحياة إمرأتين عند جسر البالما. ودارت عقارب الساعة وكأن شيئاً لم يحصل. قبل البارحة، سمعنا عن احد وزراء الأشغال يتفقد إعادة تأهيل الجسر بعدما شهد حوادث سير قاتلة. يغادر الوزير، تطفأ عدسات المصورين، فتتوقف الأعمال. وتبقى اللعنة موجودة والسيارات سارحة والرب وحده راعيها. جسر البالما يا «دولة» يلعنك في اليوم القصير، مع كل شهقة موت، عشرات المرات.

 

سابعاً، ها هنا أوتوستراد زحلة البقاع، الممتد على مسافة 55 كيلومتراً ـ مسرح لحوادث سير لا تنتهي. إسألوا خبراء السير فيخبروكم عن فظاعة الحوادث. لا فواصل ولا شارات سير والمركبات تعبر عكس السير. الحقّ على السائقين؟ لا، الحق أولاً على الدولة الغائبة التي تسمح للمعتوهين بالتحكم برقاب من يعتقدون ان خيمة دولة تحميهم. حواث صدم واصطدام يومياً هناك. وغرفة التحكم المروري تسجل ما يحدث لكن، أين تصرف الإحصاءات وكيف؟ هي تخبر المارين: سلامتكم تهمنا. وتنتهي مهمتها عند حدود هذه العبارة.

 

ثامناً، طريق رياق – حمص الدولية. هناك حصلت في الماضي القريب إعتصامات بالجملة، من عسكريين خصوصاً، نادوا: لا للجوع لا للمذلة. ثمة أسباب كثيرة للموت، في خضم هذا الطريق، لا ينتبه كثيرون الى محاضر الموت. قتيل وثلاثة جرحى في حادث سير على طريق دير زنون- رياق. حادث مروع على طريق عام رياق. إنقلاب توك توك على طريق رياق دورس. لا بنى تحتية هناك. لا إشارات سير. لا فواصل. لا إنارة. ومفارق ملعونة بينها مفترق إيعات وعدوس وطريق بوداء وشعت والنبي عثمان. ثمة نقاط سوداء كثيرة على هذا الطريق لا تنتبه إليها الدولة الملعونة.

 

تاسعاً، ننتقل الى كوع الكحالة. يومياً، تبادرنا غرفة التحكم المروري بأخبار موت هناك: ثمانية جرحى نتيجة إصطدام فان لنقل الركاب بالفاصل الوسطي. إنقلاب بولمان يؤدي الى ثمانية قتلى. حادث سير بين ثلاث سيارات على طريق الكحالة. حادث سير مروع بين ست سيارات على طريق الكحالة… ألم تنتبه يا ترى دولتنا المصونة الى أن تخطيط الطريق «أعوج أعرج»؟ غرفة التحكم المروري تتحول الى ورقة نعي. هذا ما قاله مؤسسها ميشال مطران. السلامة المرورية في خبر كان والبلاد في شلل تام. فهل معنى ذلك أن نقلب صفحة ما يحدث على كوع الكحالة – وسواه؟ يا حرام يا شباب وشابات لبنان.

 

عاشراً، وانضمّ أوتوستراد المتن السريع الى لائحة توب 10 لطرقات الموت. 88 مليون دولار صرفت على هذا الطريق، من اجل تقريب أوصال المناطق. وفي العام 2016 تمت صيانة إنارة الطريق. أما اليوم، فالنملة تخشى المرور في المكان، الذي يشهد يومياً حوادث سير وانزلاقات وتصادماً وموتاً. هكذا تبنى المشاريع في ديارنا. تصرف عليها الأموال «من فج وغميق» وتنتسى الأخطاء التي اقترفت في البناء والتدشين والتأهيل. «حادث سير مروع ومروع جداً على اوتوستراد المتن السريع». متلازمة تكاد تكون يومية حتى استحق هذا الأوتوستراد أيضا لقب أوتوستراد الموت السريع. ألا يستحق إلتفاتة من مكان ما؟

 

 

لائحة توب 10 لا تكفي لتحديد الطرقات الملعونة في لبنان. اليازا تطالب وتتمنى وترجو وتنذر وتتخوف وتحذر لكن، اللامبالاة حين تصيب تؤدي الى موت قبل الأوان. فكيف إذا أتت من ميت، من دولة في حال كوما، عاجزة وغير مبالية؟