صحيح ان بشارة قانون السير الجديد لم تلق قبولا جيدا، لاسيما بالنسبة الى من قرأ المضمون الذي يتماشى مع ما هو مقبول في دول العالم المتقدم. اما عندنا فان كل شيء بالمقلوب حيث لا طرق مقبولة وتتمتع بالانارة، ولا يخفى على احد كم هو مستوى الحفر فيها، اضافة الى ان الذي يريد الكلام على قانون جديد ان يستوعب ماهية المطلوب لجهة المواقف في الاماكن المكتظة والاهلة بالسكان، اضافة الى المطلوب من الشرطة الخاصة بالسير ان تفعله لتجنب مخاطر السير بسرعة في اماكن على حساب اماكن اخرى، وهذا من ضمن ما يجب ان يؤخذ على القانون الذي لم يستوعب وقد لا يستوعب سلبيات احتلال الارصفة والطرق الضيقة من جانب المحال التجارية والباعة وهي من الامور التي يستحيل على اي قانون تنظيمها، لاسيما ان التنظيم يجب ان يتناول المدن والبلدات التي تعج بالدراجات النارية المتخصصة بالسير بعكس السير؟!
والاصح من كل ما تقدم ماذا ستفعل الدولة باركانها ورجالاتها الذين يطوقون منازلهم بما يمنع السير بل يقطع السير والنفس من الجهة الصحيحة ليفتحها من جهة غير قانونية، اضف الى ذلك آليات رجال السلطة والجيش وقوى الامن الداخلي والاسعاف والدفاع المدني المتخصصة بالسير بعكس السير حيث لكل من سائقيهم مزاجية اين منها مزاجية المواطن العادي.
والذين مع قانون السير الجديد قلة قليلة، لان من يهمهم الامر لا بد سيسألون الشرطة التي تفتح السير باتجاه مخالف لمجرد ان هناك طريقا مقطوعة، من الصعب معرفة كيف ولماذا، خصوصا عندما يضطر بعضهم الى المخالفة ليصل الى عمله او ان يعود من عمله الى بيته، وهذه من الامور الواجب الاهتمام بها في سياق ضبط اداء السائقين الذين يرجى منهم عدم مخالفة القانون، وكي لا يقال ان هناك سائقا بزيت وسائقا بسمنة، الامر الذي يعني الغالبية وليس القلة التي يفهم منها انها مكسورة الخاطر وليس بوسعها المخالفة كونها محكومة باخلاقية ومواطنية لا غبار عليها.
تجدر العودة في هذا المجال الى ما سبق للبنان ان نظمه في مجال السير قبل اكثر من خمسين عاما، حيث كان المواطن العادي مع الدولة في اجراءاتها، اضافة الى تجنب ارتكاب مخالفة صغيرة مثل العبور بين طريق واخرى بين المسامير كي لا يضطر الى ان يدفع مخالفة بقيمة ليرة واحدة، وهذا ما كان يحصل في صالات السينما حيث المخالفة بخمس ليرات مع بعض الاهانة وكم شتيمة على رأس المخالف؟
اما اليوم، فلا عبور بين المسامير حيث لا مسامير بين ضفتي الشارع، اي ان الذي سيضطر الى العبور عليه ان يراهن بحياته وكي لا يضطر الى من ينقله الى المقبرة او المستشفى لا فرق، اضافة الى ان المطلوب من شرطي السير ان يرد على اسئلة هذا السائق او ذاك ليدلهم اين هي الطرقات المخصصة للمشاة، مع ما يعني ذلك من دلالة اخرى على الشوارع المضيئة وتلك الخالية من الحفر، كي لا يضطر صاحبنا الى تدمير سيارته عن قصد او عن سوء نية وهذا من ضمن ما هو متعارف عليه في الدول المتقدمة، من غير حاجة الى القول مثلا ان الحفر تبلع السيارات على طريق القصر الجمهوري، حيث يفترض ان تكون مثالا في التنظيم والجودة؟!
واذا كان من مجال لسؤال من يعنيه الامر عما اذا كانت الطرق محسوبة في القانون على المدن، فهل من يسأل الشرطي ومنظم محضر المخالفة عن دلالات المخالفة الاخرى التي ترتكب على الطريق السريع (الاوتوسترادات) وما اذا كانت محسوبة من ضمن قانون السير الجديد، حيث ان اكتظاظ السير يكاد يكون قياسيا في ساعات معينة من النهار والليل، لا سيما على مداخل العاصمة حيث لا مسامير محسوبة للمشاة!
كذلك، لا بد من سؤال من يعنيهم الامر عن جدوى القوانين الاخرى التي لا تجد من ينفذها بسبب تدخل مراجع مسؤولة على خط ضبط المخالفة، حيث لكل لبناني مرجعيته وما يعرف بــ «الواسطة» التي من الواجب ان لا تعتمد مهما اختلفت الاعتبارات، اضف الى كل ما تقدم هو ما يقال عن بدل المخالفة بملايين الليرات، حيث لن يجد من يدفعها بمعزل عن حكم قضائي وهذا بدوره من الامور التي ستزيد قانون السير تعقيدا؟!
الى هنا لن يجد اللبناني منساقا بين تجنب المخالفة وبين ان يضطر سواه الى ان يدفعها عنه لخطأ ما في الرقم والتوقيت، لاسيما ان ثمة مخالفات وضعت قيد التحصيل في بيروت لسائق شمالي لم يسبق له مرة ان زار العاصمة والعكس صحيح بالنسبة الى تسطير مخالفة بشخص من بيروت وضع محضرها في البقاع وهو لم يسبق له ان زار اي منطقة بقاعية ابعد من ضهر البيدر!