IMLebanon

من المآسي تنبع التوقعات الإيجابية.

ما يقارب الأربعة آلاف لاجىء سوري، رجالا ونساء وأطفالا، يعانون حيث يقيمون في خيام الذل والمعاناة والتشرد، وضِعْفُهُمْ من المواطنين السوريين، الذين اضطروا إلى النزوح من مدنهم وقراهم إلى أعماق الأرض السورية، حيثما هناك مدن وقرى وفلوات تقبل بهم وتسكنهم في أرض هي لهم باسم الإنتماء الوطني، وليست لهم لأن مولدهم ومرتع حياتهم ومورد أرزاقهم في منطقة بعيدة، وقرية أبعد.

ومثلهم أمثال في العراق حيث النزاعات الدينية والعرقية والمذهبية تتحكم في هذه الأيام السوداء، بمجمل الإِمتدادات والمناطق والمدن العراقية، فتقسّمها وفقا لفعاليات مواطنيها وانتماءاتهم بشتى أنواعها واشكالها الملوثة بالقاذورات الفئوية والمذهبية المؤسفة.

وينتج عن ذلك، منذ سنوات الإحتلال الأميركي للعراق، ومنذ اندلاع الأحداث في سوريا، مبتدئة بالمطالب الشعبية الإصلاحية، ومتحولة إلى جحيم العنف، وإلى براميل متفجرة وصواريخ وقنابل جرثومية، طاولت شعباً سورياً بأغلبيته السنّية الكاسحة، وبطغيان الحزب الحاكم بشتى خلفياته ونزعاته السوداء. وفي العراق، كان الوضع مزيجاً طاغياً من الظلم والقساوة والتعصب المذهبي الذي طاول فئة كبرى من المواطنين، بالإقصاء والتهميش وحرمان جزء هام من الشعب العراقي من أدنى مواقع الحكم والإدارة، كما ومن أقل فرص الوظائف والعمل التي تمكنه من أدنى مراتب العيش الكريم.

في هذا المحيط الهائج المائج… خُلقت داعش.

في هذا المحيط من الطغيان والظلم والقساوة في التعامل الوطني، وجد بعض المجرمين طريقا إرهابياً لهم، يستغل هذه الأوضاع ليقيم على أرض عربية أصيلة، «خلافة إسلامية» ما أنزل الله بها من عقل ولا منطق ولا سلطان، تقوم على مبادىء الإرهاب والإرعاب الخالص، وتشوّه العقيدة الإسلامية السمحة بأقسى عمليات النّسف والتفجير والذبح والقتل المتفنن بأساليبه الوحشية المختلفة.

في مؤتمر فيينا الذي انعقد في نهايات الأسبوع الفائت، سّلط وزير الخارجية الأميركي جون كيري، الضوء على داعش بعيد ارتكابها المجازر التي أطلقتها بحق المواطنين الأبرياء في باريس، فأظهر للعلن كله كيف أن هذا التنظيم هو في قمة التواطؤ مع نظام الأسد، يتقاسم وإياه عمليات بيع البترول والآثار المنهوبة والمخدرات ليتمكن كل منهما من تمويل أعماله الوحشية القاتلة، وهو يطلق صواريخه ووسائل قتله المدمرة على ابرياء شعبه دون أن يطاول بقذيفة واحدة، تنظيم داعش الممتد في وجوده على مساحات سورية واسعة. كيف يفعل وقيادات داعش هي من أطلقها بشار الأسد من سجون سوريا مؤيداً في ذلك من جملة من الدول والمنظمات التي بدأت تعاني هي الأخرى من آثار الداعشية ولغة الدم والدمار غير المسبوقة التي يعتمدها تجاه الكرة الأرضية بأسرها.

وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف نفى في المؤتمر الصحفي نفسه صحة التهم التي أطلقها زميله الأميركي مؤكدا على انتماء الغزوة الروسية إلى مواقع القتلة والسفّاحين والسّاعين بالحديد والنار إلى توطين مصالحهم في هذه المنطقة من العالم. ونتوجه بالتالي إلى كل من الوزيرين المذكورين بالسؤالين التاليين:

– يا حضرة الوزير، ألا تشعر القيادة الأميركية وفي طليعتها رئيسها أوباما بذنب ما، اقترفته بحق الشعب السوري تجاه المذابح المستمرة على أرضه منذ ما يناهز الخمس سنوات، أولم يخطر للإدارة الأميركية أن تسأل عن سكوتها المذهل حول كل ما تعلق جرائم النظام السوري بحق شعبه؟

– ويا حضرة الوزير لافروف، وبعد أن أقامت روسيا الدنيا وأقعدتها وصولاً إلى كل هذا الإحتراب الجوّي الذي اختلقته في الأجواء السورية، ألا تشعر روسيا بذنب ما عندما توجه صواريخها ونيرانها المدمرة والقاتلة إلى كل مكان يتواجد فيه شعب سوري ومعارضة سورية معادية لداعش وللنظام السوري الداعم له بكل الوسائل المدمرة التي تفوق في إجرامها لما تقوم به داعش من مجازر وآثام.

إنّ كُلاً من أوباما وبوتين يمْثُلان في قمة الإتهام الإنساني الشامل الموجّه إليهما بعد أن أطلقا شرور العالم باتجاه منطقة الشرق الأوسط التي انتكبت بهما وبمطامعهما ومصالحهما المتصارعة على أرضنا، بهذا الشكل المفضوح حيناً والمتلطّي والمتخفّي أحياناً. ومما لا شك فيه أن الرئيس بوتين قد وضع نفسه في طليعة المعانين من تورّطه المتغطرس في اللّهب السوري المتفاقم، وقد بدأ في سعي مستعجل للخروج من هذا المطبّ الذي ألقى بنفسه وببلاده فيه، الأمر الذي تجلّت معالمه في كواليس مؤتمر فيينا ولواحقه بحيث أصبحت روسيا في طليعة الساعين إلى توفر ظروف معقولة أمام حلٍّ ما، وإنهاءٍ ما للمأساة السورية، (المرشحة لأن تواكبها مأساة روسية) وما نتوقعه ونأمله أن يلحق بنا بعض من رذاذها المطفيء لبعض النيران الكامنة في كثير من نقاط السخونة والإلتهاب على الأرض اللبنانية.

ويزداد أملنا استعجالا بعد أن بدأت نيران الوضع السوري نتيجة لتدخل بعض القوى اللبنانية فيه، تصل إلى الداخل اللبناني الذي تمثّل في الأسبوع الفائت بمأساة برج البراجنة، وفي الجهود الجبارة التي تقوم بها القوى الأمنية المختلفة لكشف الخلايا النائمة والصاحية والتي تستهدف أقل ثانية غفلة منها ومن المواطنين لمفاجأتنا بمزيد من الأعمال الإجرامية دون أي رادع من عقل أو ضمير. ودون أن تجد مع الأسف شجبا وتعاطفا دوليا كذلك الذي واكب الشجب العالمي لأحداث فرنسا.

من كل ذلك ورغم كل ذلك نستخلص من تسارع الأحداث والتوقعات والتصريحات ومن بينها تصريح سماحة السيد حسن نصر الله الأخير الداعي الى حوار شامل يسعى لحل كل المعضلات اللبنانية القائمة، من خلال تسوية شاملة والتصريح الإيجابي الذي أطلقه الرئيس سعد الحريري مؤيدا ومتجاوبا مع هذا التوجه. دون أن نغفل تصريحات لوزير الخارجية الأميركي قبل يومين تشير بالدخول القريب في المرحلة الإنتقالية للسلطة في سوريا، وقد أضاف لاحقا أن ذلك سيكون خلال أسابيع وليس خلال أشهر، الأمر الذي شكل توقعا إيجابيا متمثلا بالتساؤل التالي:

هل إرهاب داعش سيُساهم في تحقيق نتيجة إيجابية يسعى إليها الجميع، وهي الدفع الجدّي والواقعي والمدروس، إلى طاولات مصالحة ذات مستوى دولي طائل وقادر ومنتج لسلم شامل تتوق إليه كل شعوب المنطقة، يواكبها أو يلحقها، طاولات مصالحة محلّية؟. إن الشعب اللبناني متمركز في طليعة التواقين إلى تحقيق هذه الأمنية، التي بدأت بوادر إيجابية مهمة من أطراف خيوطها، تظهر للعلن.