IMLebanon

في فاجعة بيشاور

تأخذ فاجعة الأطفال في بيشاور، الجريمة البدائية المؤدلجة الى ذرى جديدة أعلى من تلك التي «رفعتها» اليها ممارسات «داعش» في العراق وسوريا. لكن المعضلة المتحكّمة بالأسى البشري تجاه ضروب الحيونة هذه، هي الارتكاز اليها.. الى ذلك الهول المسجّل في المدينة الباكستانية المنكوبة، للتدليل بشكل خفر وبعيد عن الادعاءات، على أن الصورة النمطية للإرهاب الحديث أصيبت بعطب مركزي جرّاء «هوية» الضحايا!

بل تبدو تلك الفاجعة وكأنها، في جانب منها، مُشَارَكة في النقاش المفتوح، الصريح منه والمكبوت، في شأن البعد الإسلامي في شحذ همّة ذلك الإرهاب. بل في ما إذا كان يستند الى نص ديني أم الى قراءة خاصة وجزئية وكيفية لذلك النص. وما إذا كان «العطب» بالتالي، هو في التفسير والممارسة أم بما هو «أعمق» من ذلك!

مُشَارَكة فاجعة بيشاور في ذلك النقاش تأتي من ناحية زيادة حيويته، ومن زاوية طرح المزيد من الأسئلة القلقة والوجلة وليس من زاوية تقديم أي جواب.. لكنها على الطريق، ترمي بعيداً الاستطرادات الحديثة أو التوظيفات السياسية السريعة والتي تضعه (الإرهاب) كنتاج لمنظومة فكرية تامة ولنزاع مستدام بين وعي عدمي يمثله النص الديني (وصنف مُحدّد من ذلك النص!) وبين وعي حداثي يمثله الجزء الآخر من الصورة. أكان هذا الجزء في المجتمعات العربية والإسلامية «المدنية» أم في تلك المختلفة ديناً وعرقاً غرباً وشرقاً.

.. ذلك إرهاب إسلامي الهوية لكنه يضرب مسلمين لا يقدمون في هويتهم المذهبية والعرقية أي شطحة اختلاف! بل هو يقارب المستحيل والخرافة التامة في تبريراته ويصل في عودته للغريزة الأولى الى مصاف غير بشرية. أي يستحيل، بأي منطق، إرجاع ذلك الهول الى أي سوية إنسانية مألوفة حتى لو كانت ضاربة في الغلو والغرابة جذوراً عميقة!

معظم أهداف ذلك النمط من الإرهاب، أهلية بمعنى ما.. ولكن ما فعله «داعش» وحَرِص حرصاً شديداً على إذاعته وتعميمه كان غريباً واستثنائياً الى حدّ التيقن من القصد التآمري المتعدد الطبقات فيه. والذي كان للسياسي منه الصدارة. باعتبار أن المطلوب كان ولا يزال، تحقيق هدفين آنيين سريعين، الأول يتعلق بسوريا وقصة البدائل السلطوية فيها. والثاني يتعلق بالإسلام العربي و«الضرورة» الفورية والعاجلة لتشويه صورته.. السياسية أيضاً!

لكن ما تقدمه فاجعة بيشاور يذهب الى نواحٍ أبعد: يشيطن الأداء الى حدود تبعده عن الاستناد الى أي نص أو تأويل أو تفسير.. وصولاً الى نسفه (العرضي؟) لقصة التوظيف السياسي للإرهاب والاستخدام الخبيث لأهدافه! هذا إرهاب حيواني صافٍ لا علاقة له بأي شيء آخر. يستفيد من شيوع مناخات القتل على مداه في العراق وسوريا، ويبني استنتاجات عدمية من استمرار تلك المناخات بفعل سياسات وحسابات، مقدار الشيطنة فيها، قد لا يقلّ في النتيجة، عن مقداره عنده وعند أصحابه! ومن بيشاور وسيدني الى العراق وسوريا!