يقفلُ العام 2014 أبوابه الليلة وملفّ العسكريين اللبنانيين الرهائن مفتوح على مصراعيْ جرح غائر في الجسد اللبناني تماماً مثلما هو نازفٌ في قلوب أهاليهم وعائلاتهم، وحال الذين فقدوا أبناءهم أمام نواظرهم ليس بأفضل من حال الذين يعيشون ليل نهار على حافة الانهيار بفعل التهديدات اليومية لحياة أبنائهم، هي أعيادٌ مريرة على الجميع، والأكثر مأساوية في هذا الملفّ حالة العجز التي تفرض نفسها أمراً واقعاً على الجميع، من الحكومة إلى الأهالي وما بينهما الجيش اللبناني الذي خرج الملفّ من يده، وباتت التهديدات بقتل العسكريين عائقاً أمام أي تدبير أمنيّ يتخذّه يتحرّز به من نشاط الإرهابيين على الحدود الجرديّة اللبنانية.
وللأسف الشديد ؛ دخل هذا الملفّ في مرحلة «بازاريّة» مع كثرة الذين أعلنوا أنفسهم وسطاء لحلّ هذا الملفّ كالشيخ وسام المصري، وقبله «المسمّاة» هيئة العلماء المسلمين، أو الذين منحوا «بركات» النائب وليد جنبلاط وخلع عليهم حمايته الشخصيّة والمعنويّة، وبالأمس فُتِحَ هذا «البازار» على مصراعيه مع إعلان الشيخ المصري «شروط داعش» في مؤتمر صحافي عقده، وأقلّ ما يُقال في هذه الشروط أنّها تعجيزيّة لأنها شروط تفوق قدرات الحكومة اللبنانيّة، فعندما يشترط إرهاب داعش «تأمين اللاجئين السوريين من اعتداءات حزب الله بإنشاء منطقة عازلة منزوعة السلاح من وادي حميد لجرد الطفيل إلى عرسال»، تكون «داعش» لا تريد حلّ ملفّ العسكريين الرهائن بل تضع العراقيل أمام حلّه لأنها تطالب بما ليس في متناول الحكومة اللبنانيّة!!
ومن أفظع ما سمعناه بالأمس من المطالب «الداعشيّة» الرديئة هو «تأمين معدات مشفى طبي معاصر مع مستودع أدوية متكامل لعلاج الجرحى بسبب اعتداءات حزب الله» الأمر الذي يؤكّد عدم رغبة هذا التنظيم الإرهابي في حلّ ملفّ العسكريين الرهائن، ورغبته في إقامة «دولة إرهابيّة» على الحدود اللبنانيّة!! وما يزيد قناعتنا تخوّفاً من هذه الرغبات الإرهابيّة، هو التهديد بأنّ «أي إغلاق لحاجز وادي حميد يعرض العسكريين للقتل»، الأمر الذي يؤكّد خطورة هذا الممرّ للإرهابيين ومحاولات التسلّل عبره، بالرغم من عدد العسكريين الشهداء الذي سقطوا في هذا الوادي وعلى حين غرّة!!
وحتّى نكون صادقين مع أنفسنا ومع القارئ، إن الضغط على الجيش اللبناني كلّما اتخذ إجراء احترازياً في جرود عرسال في وجه الإرهاب بحجّة التخوّف من حصار أهالي عرسال، هو أكبر عقدة في هذا الملفّ لأنّ تقييد يد الجيش في وجه الإرهاب بذريعة «أهالي عرسال»، هو أكبر جريمة ترتكب بحقّ لبنان والجيش اللبناني، وتركٌ لأهالي عرسال رهينة في يديْ إرهاب «جبهة النصرة» و»تنظيم داعش» وتطويل في عمر ملفّ العسكريين الرّهائن، من دون طائل في ظلّ حالة العجز اللبنانيّ المخيفة!!
يقفل العام 2014 أبوابه منتصف هذا الليل ويفسح الطريق أمام عام جديد يطلّ علينا والمأساة مستمرّة منذ أشهر عدّة ويسلّمها عام لآخر، كثيرون الليلة سيسهرون ويستقبلون عاما ويودّعون آخر، إلا عائلات العسكريين الرهائن لن يغمض لهم جفن في هذه الليلة حُرقةً على أبنائهم، ومثلهم كثير من اللبنانيين يشعرون بأسىً كبير على «المخطوف الأكبر» لبنان، و»الرهينة» الكبرى «رئاسة الجمهوريّة»، ولسنا متفائلين أبداً بقرب انتخاب رئيسٍ للبلاد، بصرف النظر عن «هبّات» التفاؤل «التخادعيّة» التي يوزعونها على اللبنانيين من هنا أو من هناك، ومن هنالك أيضاً!!