لا بُدّ لنا من متابعة ما بدأناه أمس مع «لبنان الذي كان للشيعة حتى عام 1760»، إذ يصف الكاتب د. سعدون حمادة تاريخنا اللبناني بـ»المأساة الكبرى»، ويعتبر «حمادة» أنّ التاريخ اللبناني المعروف غير حقيقي وناقص ومجتزأ، وأنّ التاريخ الحقيقي للبنان طُمِس واستُبْدِل بتاريخ الشوف، ويعتبر «حمادة» أنّ التاريخ الكلاسيكي الذي يدرس اليوم في المدارس والمتداول هو تاريخ الشوف، أي تاريخ المعنيين ثم تاريخ الشهابيين، تاريخ «منطقة محددة»، لم تتجاوز في أية مرحلة نسبة 8 في المئة من أرض لبنان جغرافياً و18 في المئة سكانياً، وما تبقى من تاريخ هو لجبل عامل وجبل لبنان وبلاد بعلبك وهو مغيّب تماماً وبشكل شبه كامل!!
ويعتبر صاحب كتاب «تاريخ الشيعة في لبنان»، أنّ ما هو موجود من «الوثائق والخرائط والدفاتر الرسمية للدولة العثمانية»ـ ونتساءل أين هي هذه الوثائق ولماذا لا يتمّ نشرها ـ يُثبت هذه الحقيقة وبالإستناد إلى تلك الوثائق، فإنّ الوجود الشيعيّ كان «وجوداً كاسحاً» في جبل عامل وفي بلاد بعلبك والبقاع ووجوداً رئيسيّاً في جبل لبنان، والمنطقة الوحيدة التي لم يكن فيها وجود شيعيّ قويّ هي جبل الشوف.
وفيما يقدم سعدون حمادة رواية «على سبيل المثال»، يقول فيها إنّ «كل حاكم منطقة من مناطق السلطنة العثمانية كانت تصدر وثيقة بتسميته حاكماً عليها من الباب العالي، وهذه الوثائق تؤكد ان الحاكم في تلك المناطق الثلاث كان شيعياً باستمرار»، وهنا نتساءل: كيف يؤكد حمادة أن الدولة العثمانية أقرت وصدرت وثائق رسمية بتعيين «حكّام شيعة»، فيما يقول في مكان آخر:»إنّ الدولة العثمانيّة كانت تُصدر مراسيم باسم السُّلطة الدينيّة وباسم السُّلطة الزمنيّة وتعتبر الشيعة «متمردين وعصاة» و»خارجين عن الدين وتحل قتلهم، وتعتبر زواجهم زنا والتوارث بينهم باطلاً»، وهناك اكثر من عشر فتاوى بهذه المعاني صدرت عن شيوخ الاسلام في اسطنبول في تلك الفترة اذ كان كلّ شيخ إسلام يعمد حين يتسلم مهامه الى إصدار «مرسوم» يتضمن السياسة العامة وفيه «أن الشيعي خارج عن الدين وأن قتله واجب على المسلم»، فكيف ولّت السلطنة الخارجين عن ملة الإسلام حكاماً على نواحيها ومناطقها؟!
ويذكر حمادة في كتابه الشيعي أبرز الاسماء من قادة الثورة سرحان الذي بدأت الثورة معه بعدما فشلت مفاوضات بدأها مع السلطنة العثمانية سعى خلالها لوقف التوترات وتجنب الحرب، فدعا السلطان العثماني لأن يتراجع عن السياسة المتبعة ضد الشيعة لأنها سياسة لا تترك للشيعة خياراً سوى القتال دفاعاً عن النفس، ولكن السلطان لم يستجب لهذه الدعوة فبدأت الثورة بعد فشل تلك المفاوضات ويشير أن جبل لبنان في الوثائق العثمانية كان اسمه «بلاد سرحان» وأحياناً جبال سرحان نسبة لسرحان الشيعي!!
أما عن مطالب «الثورة الشيعيّة» فيقول حمادة أنهما مطلبان: الأول ان يحكموا انفسهم حكماً ذاتياً ضمن السلطنة العثمانية، والثاني عدم دفع الضرائب، ويقول الكاتب أنه استند إلى كتابات وتقارير القناصل الاجانب وخصوصاً الفرنسيين الذين تابعوا هذه الثورة، وقالوا في تلك الوثائق، إن مطالب الثورة هي هذان الامران: الحكم الذاتي وعدم تدخل السلطنة بالشؤون الشيعية الداخلية، وعدم دفع الضرائب للباب العالي».
* غداً.. مؤامرة «الوطن المسيحي»