استوقفني خبر في إحدى الوكالات المحلية يقول بأن وزير المال والمستشار السياسي لرئيس مجلس النواب نبيه برّي، أبلغ رئيس المجلس، بأن الوزارة ستصبح اعتباراً من شهر تشرين الأول عاجزة عن دفع رواتب موظفي القطاع العام الذين يفوق عددهم عن الثلاثماية ألف موظف مسؤولين عن إعالة أكثر من ثلاثماية ألف عائلة من أصل حوالى أربعماية مليون نسمة يشكّلون كامل عدد سكان لبنان، ما لم تقرّ موازنة العام 2017.
هذا الخبر في الشكل يمكن لأهل السياسة الذين يتلهون عن شؤون الشعب اللبناني وشجونه ومشاكله الاجتماعية المتراكمة بخلافاتهم حول الاستحقاق الرئاسي وقانون الانتخابات النيابية وأخيراً لا آخراً حول مجلس الشيوخ وهل يجب أن يكون رئيسه درزياً أو أرثوذكسياً مراعاة للحقوق وللتوازن الطائفي والمذهبي قد يمر من دون أن يستوقف أحداً منهم، لكنه وقياساً على جمهور اللبنانيين الذي أوصل هؤلاء السياسيين المتربعين على عرش السلطة والزعامة الموروثة وغير الموروثة، يستحق وقفة طويلة بل يستحق منهم مواجهة تلك الطبقة المتحكمة برقابهم رغماً عن إرادتهم أو بإرادة منهم أوجدتها الانتماءات والغرائز الطائفية والمذهبية البغيضة وسؤالها وحتى وضعها أمام مسؤولياتها تجاه ما يمكن أن يترتّب من أزمات في حال أصبح موظفو القطاع العام بلا مورد رزق، وغير قادرين على توفير لقمة العيش لعوائلهم، وما هو البديل عن هذا الواقع المرّ الذي يصبحون فيه سوى النزول إلى آلشارع مطالبين بإسقاط هذه الطبقة التي حرمتهم نتيجة جشعها وتفرّدها وتلهيها بالقشور وبخلافاتها على المكاسب والمغانم، والمحاصصات وعلى كل ما له علاقة بالمال الحرام الذي يُسرق من المال العام، والذي أوصلنا إلى ما حذّر منه وزير المال من أن الخزينة ستفرغ بعد تشرين الأوّل وسيحرم مئات آلاف الموظفين من رواتبهم التي بالكاد توفّر لهم العيش البسيط في ظل جنون ارتفاع الأسعار، وفي ظل جشع التجار الذي لا ينتهي والذي لا توجد دولة تحاسب هؤلاء، وتمنعهم من التلاعب في أسعار الحاجيات الضرورية حتى يزداد الفقير فقراً والمعوز عوزاً.
نتمنى على وزير المالية أن لا يكتفي بنقل هذه المأساة إلى رئيس مجلس النواب من موقع أنه مستشاره السياسي، بل كان مطلوباً منه أن يرفع الصوت عالياً في وجه الحكومة التي تمثّل هذه الطبقة الفاسدة، وفي وجه الجميع ويدعو الشعب الى النزول إلى الشارع وتربعه فيه إلى أن تسقط هذه الطبقة أو على الأقل إلى أن تستفيق من غيبوبتها وتنظر إلى هذا الشعب الذي يعيش بأكثريته تحت خط الفقر والمهدّد اليوم بوقف رواتبه لأن الخزينة شارفت على الإفلاس نتيجة تلهي المسؤولين بخلافاتهم حول من يكون أولاً دجاجة الانتخابات الرئاسية أم بيضة قانون الانتخابات.