IMLebanon

درب وهّاب «النسبية» شاقّة… لكن مفتوحة

 

للمرّة الأولى، تبدو الطريق مفتوحة أمام مرشّح درزي في الشوف خارج العباءة الجنبلاطية. الوزير السابق وئام وهّاب ينتظر هذه الفرصة منذ زمنٍ طويل، لكنّ طريقه شاقة وتحالفاته غير محسومة

ذات أحد، أعدّ الوزير السابق زياد بارود نفسه جيّداً، مُزَّوداً بأفتك أسلحة «المنطق»، وحطّ رحاله في المختارة. المهمّة شاقّة، والهدف عنيد وسريع البديهة. والوزير الراحل فؤاد بطرس، يُعَوِّل على حنكة عرّاب «المجتمع المدني»، لتليين موقف النائب وليد جنبلاط تجاه القانون المختلط (النسبي والأكثري)، الذي كانت لجنة بطرس تعمل عليه عام 2005. بكامل نشاطه، يفتح بارود «لابتوبّه» عند التاسعة صباحاً، مستخدماً خرائط وأرقام وجداول، ليسوّق أمام جنبلاط، قانوناً، يُرخي قَبْضَتَه المُحْكَمَة على جبل لبنان الجنوبي. شرح بارود طويلاً، وعطش وشرب ماءً، وختم جنبلاط المقابلة بعبارة/ عبرة واحدة: «بَدَّك تسقِّط مروان (حمادة)، وتربِّح وئام (وهّاب)».

على عِلَلِه، يفتح القانون النسبي الجديد، كوّةً من الضوء والأمل، لدى أبناء الشوف، لانتقاء خيارات جديدة، ليست بالضرورة مثالية، غير تلك التي يضرس بها الأبناء، بعد أن وَرِثَها الآباء لعقود متتالية.

 

فحرب الجبل، وما تلاها بعد اتفاق الطائف، ثبّتت جنبلاط زعيماً مطلقاً على دروز الشوف، مع حاجة دائمة للتذكير بفضل الدور السوري في رسم هذه المعادلة. أرخت الزعامة بظلالها على إقليم الخرّوب، وتحوّل الإقليم إلى صندوق بريد بين الرئيس الراحل رفيق الحريري وغريمه/ صديقه جنبلاط. لكنّ الزعامة خَلَّفت أيضاً شعوراً بالمظلومية لدى المسيحيين، لم تنجح المصالحة مع البطريرك نصرالله بطرس صفير، في تفكيكها، إلّا «فولكلوراً».

«القائد المطلق»، ذلك الذي لا يُطيقه جنبلاط لكن يتمثّل به، لا يُعمل له جردة حساب، ولا يُقاس عنده مقدار المنفعة العامّة التي عادت بها سياساته «الحكيمة» على بيئته ورعيّته. ظَلَّت حرب الجبل ونتائجها، باستعادة الدروز مجداً مسلوباً منذ القرن التاسع عشر، المعيار الوحيد لقياس مدى نجاح الزعامة، التي تكرّست في الطائف شريكاً في السلطة وليس في النظام، من دون أن «تُقَرِّش» العائد خيراً على الرعيّة، بل على «العائلة» وحفنة من الأزلام والمدّاحين في البلاط.

هل الخوف «الأبدي» من الآخر، عند «الأقليّات التي تَسَلَّقت الجبال»، يمنع أن يكون الشوف المنطقة السياحية الأولى في لبنان؟ هل رأى أحدٌ مصنعاً أو معملاً واحداً في الشوف، «يسترزق» منه أبناء القرى من الدامور إلى أعالي الباروك؟ ألم تكن مصيبة مطمر الناعمة كافية، حتى أُتي بـ«الكوستابرافا» على بوابة الشوف الغربية؟ أم أن معمل فتّوش في عين دارة، سيسبّب «سرطانات» لأهالي القرى المجاورة، وفي معمل سبلين يوزّع جنبلاط «إكسير الحياة»؟ أسئلة، كان يأكلها جبل الباروك في ما مضى، فتعود بلا صدىً.

هذا في أبسط مقوّمات الحياة، وليس في الإنماء حتى. أمّا في السياسة (وسيلة «القائد المطلق» لحماية جماعته)، فلم يدخل «عمود السّماء» رهاناً واحداً منذ عام 2000، وربحه. طوال السنوات الماضية، عمل بجهد ليعادي سوريا، فعاداها رغماً عنها، ولم يصادق السعودية. دافع عن «جبهة النصرة»، فخَسِرَ وَ«النصرة»، وربحت السويداء هدوءاً واستقراراً. مسيرته مع حزب الله، وتحريضه عليه، اختصرها الأمين العام لحزب الله السيد نصرالله في خطابه عشيّة 7 أيار 2008 بعبارةٍ شهيرة. لكنّ جنبلاط، حين انقلب على الرئيس سعد الحريري بعد حلف الأخير مع عون، وقرّر الحريري «كسر الجرّة»، لم يجد غير حزب الله والرئيس نبيه برّي ملجأً. كيف؟ لأنَّ ثَمَّة في البلاد من يحرص على الدروز وقائدهم، أكثر من قائدهم نفسه، لأسباب تتعدّى حدود لبنان.

حسناً، أمام ضغط بري ونصرالله، نال جنبلاط دائرة واحدة في الشوف وعاليه، علّه يطمئن، إلى أن وريثه سيكون نائباً مع كتلة نيابيّة، هي حُكماً أصغر من كتلة اللقاء الديموقراطي.

تيمور جنبلاط، بوصفه وريثاً للزعامة، لا يهدّد مقعدَه أحد، مع القدرة التجييرية للحزب التقدمي الاشتراكي والعائلات الجنبلاطية. إلّا أن هذه الطمأنينة لن تنضج. ما حال المقاعد المسيحية والمقعد السني الذي رَشَّحَ جنبلاط عليه الدكتور بلال عبدالله؟ وما حال المقعد الدرزي الثاني، أو مقعد الوزير مروان حمادة، ما دام الوزير السابق وئام وهّاب يسنّ أسنانه عليه منذ سنوات طويلة، وباتت الطريق إليه مفتوحة ــ وإنْ شاقة ــ بعلامة اعتراف جنبلاط لبارود؟

وهّاب ليس «ملاكاً»، وليس الخيار المثالي للكثيرين. لكنّه الشخصية الدرزية الوحيدة التي استطاعت في السنوات الأخيرة، أن تكسر حصريّة قصر المختارة في الشوف، في الموقف السياسي الأعلى ضد مغامرات جنبلاط المكلفة دماً وخوفاً، وفي فتح البيت لاستقبال الضيوف منذ أُغلق منزل مروان حمادة في بعقلين على ساكنيه، وفي الخدمات العامّة التي ينالها وهّاب من الوزارات والداعمين، بعد أن تقلّصت حصريّة الخدمات لجنبلاط في عهد عون. أهميّة وهّاب، ليس في كونه بنى قصراً في الجاهليّة، ويربّي كلبةً اسمها «جينا»، مثل «أوسكار» (كلب جنبلاط)، بل لأنه عمل بجهدٍ لإثبات نفسه وتمرّد على حتميّة السلطان، وبات يمثّل نموذجاً أمام الشوفيين، الذين تعوّدوا أن يجودوا بالموجود. الشراكة الدرزية في الشوف تُجبر «القائد الأوحد» على تغيير سياساته الداخلية تجاه ناخبيه، وتفتح باب المنافسة على الإنماء، وتضع حدّاً للمغامرات المدفوعة سلفاً. كذلك فإنها تحمي فريق «القائد الأوحد» نفسه، من أن يُرمى به بعد أن تنتهي الحرب، أو حين يحتاج التوريث إلى حملة «اجتثاث» لـ«الحرس القديم».

في الحسابات الانتخابية، هناك تحالفان واضحان حتى الآن: تحالف جنبلاط ــ الحريري، وتحالف النائب طلال أرسلان والتيار الوطني الحر. التحالف الأوّل، بُني على مفاعيل الضغط السعودي على الرجلين، بعد أن كان تحالف الحريري ــ التيار الوطني الحرّ محسوماً في كل الدوائر. ويؤكد سياسيون شوفيون أن التحالف الانتخابي بين الحريري وعون انتهى مع أوّل تغريدة للوزير السعودي ثامر السبهان، ومع آخر خطاب لعون، دافع فيه عن المقاومة. أمّا تحالف أرسلان ــ عون، فهو سياسي ــ مصلحي، يسمح لطرفيه بالكسب في عاليه من دون منّة من أحد.

تحالفات وهّاب ليست محسومة بعد. هو يفكّر، كما يقول لـ«الأخبار»، في تشكيل لائحة يتحالف فيها مع الحزب السوري القومي الاجتماعي. غير أنه لم يناقش الأمر معهم بعد، ولا هم حسموا خياراتهم. كذلك الأمر بالنسبة إلى التحالف مع الوزير السابق ناجي البستاني، الذي لم يُحسم أمر ترشّحه على لائحة التيار الوطني الحرّ، لكنّ مقعده جاهز على لائحة جنبلاط، إذا تردّد العونيون طويلاً. الحاصل الانتخابي في هذه الدائرة سقفه أن يصل إلى 15 ألف صوت، في حال تجاوُز نسبة التصويت عتبة الـ60 في المئة. بإمكان القوميين ووهّاب تأمين هذا الحاصل، لكن على ماذا سيحصل القوميون؟ ومن يضمن أن يفوز وهّاب وليس أحد آخر في اللائحة؟ وما دام المرشّحون جميعاً، سينهمكون بتأمين الأصوات التفضيلية لهم وحدهم، ومن بينهم مرشحو الحريري في الإقليم (في ظلّ وجود الجماعة الإسلامية، التي لم تصل إلى نتيجة بعد، إمّا بالترشح في هذه الدائرة أو بالتخلي عن أصواتها لمصلحة الحريري مقابل مقعد في بيروت)، تزداد المهمّة صعوبة أمام الجميع.

صراع سياسي ــ انتخابي كبير ستشهده الدائرة. وهاب يملك فرصة الخرق، وجنبلاط يستشعر هذا الخطر. ولها السبب، عدَل عن خيار ترشيح كريم مروان حمادة محل والده، عائداً إلى خيار ترشيح مروان حمادة نفسه. وهو يفكّر حتى في بديلٍ لحمادة، مثل مدير مستشفى عين وزين زهير العماد ابن بلدة كفرنبرخ، أو آخرين، ربّما من بيت حمادة، حتى لا تخسر بعقلين مقعدها.

مسألة أخرى، مدير أعمال جنبلاط السابق بهيج أبو حمزة، ينوي الترشّح عن أحد المقعدين الدرزيين، ولو شكّل وحده لائحة. لا يملك «المعتقل» السابق فرصة الفوز، لكنّه منافس من داخل البيت.