IMLebanon

قطار المبالغات..

.. وقد لا يطول الزمن قبل أن يبدأ الخطاب الرسمي لـ»حزب الله» في إدراج إيران نفسها، في لائحة الدول التي «تحتاج» الى دور ومساهمة «مجاهدي» الحزب فيها، من أجل «منع سقوطها» في أيدي الأميركيين.. أو الإسرائيليين. أو من أجل الذود عن «مصالح» «المقاومة»! أو حفظ خطوط إمدادها! أو في منع «محاصرتها« من قبل الأعداء الكثر المتربصين بها شراً وأذية وسوء نيّة!

وفي هذا القول شيء من المبالغة! لكن فيه أشياء من متطلبات تشريح (أو محاولة فهم واستيعاب) كل ذلك الغلو الذي يغلّف ويستبطن خطاب «المقاومة» في نواحينا. والذي تتكاثر الإشارات الى أنه يتدحرج الى غربة، حتى عن مصادر رعايته، بل أبوّته الأولى!

وسياق المبالغات هذا تصاعدي وليس إنحدارياً. وهو الذي يفضي الى هذا الاستطراد شبه المستحيل والكاريكاتيري! لكنه المتناسق مع الزبدة الخالصة للخطاب التعبوي والعدائي والصدامي والاستنفاري الذي يسمعه الجميع.. وجلّهم لا يصدق ما يسمع!

بدأ سياق ذلك الخطاب في لبنان، وأفاد في الحرب ضد الاحتلال الاسرائيلي.. لكن الاحتلال زال وبقي الخطاب على حاله! تغيرت بعض مفرداته وهويات المعنيين والمستهدفين به، وظلّ في أساسه يستند الى قاعدة إقصائية عزّ نظيرها في عالم اليوم، تقول قولاً لا ثاني له: كل من والاه عزيز كريم. وكل من خاصمه عدو لئيم! وبغضّ النظر عن أي تلاوين في هذه الصورة الناصعة! حيث لا فرق بين أي لبناني «آخر» وإسرائيلي أو أميركي «متآمر».. ثم وصل الى سوريا، وأخذ في طريقه كل سوري يقول لا لسلطة المافيا الأسدية، حتى صارت أكثرية هؤلاء «عصابات إرهابية» متآمرة، قبل أن تصير «عصابات إرهابية تكفيرية» لا يجوز النقاش أصلاً، في حتمية محوها عن وجه الأرض!

.. ثم تدحرج من العراق برغم كل التباساته، ووصل الى البحرين، ومنها قفز الى دول الخليج العربي بمجمله وركّز في خلاصته على السعودية قبل أن يحطّ رحاله في اليمن.. السعيد!

وفي طريقه الإقليمية هذه، لم ينسَ خطاب القطع والصدّ والاستنفار والتعبئة المستدامة، «ضم» الأوروبيين (كلهم بالمناسبة) الى لائحة الأعداء، وان صنّفهم مراتب ودرجات، تبعاً لموقف من هنا أو حادثة من هناك! لكن في الخلاصة كلهم في عرفه، أجرام تدور في الفلك الأميركي المتآمر، ولا شيء غير ذلك!

حمل الغبار الكثيف المتصاعد من حماوة هذا الخطاب ومعاركه، غشاوات إضافية على رؤى أصحابه: ضيّعوا البوصلة وتاهوا في الخرائط بعيداً. صارت سوريا أهم من فلسطين (المحتلة!) وصارت حلب أهم من الجولان! ثم صارت اليمن أهم من سوريا وفلسطين (المحتلة!) وصار أول العرب وأساس المسلمين، هم أول الأعداء وأساس التعبئة «الجهادية» المضادة!

.. لكن، قبل يومين، جرت انتخابات كبيرة في إيران. وأظهرت نتيجتها الظاهرة والخفية، ان غالبية الإيرانيين صوتت ضد كل مرشحي «المرشد» شخصياً! ما دفع الرئيس حسن روحاني الى القول حرفياً: «إذا كان هناك أشخاص يعتقدون حتى الآن، بأن هذا البلد (إيران) يجب أن يكون في مواجهة مع الآخرين فلأنهم لم يفهموا رسالة عام 2013.. في ذلك العام، قال الإيرانيون بوضوح انهم يريدون الاعتدال لا التطرف. وقالوا بصوت عال: نريد التفاهم مع العالم، لا المواجهة».

روحاني، رئيس إيران، قال ذلك بالأمس في طهران وعلى الملأ، وفي ظل «وجود» «الولي الفقيه» وليس في غيابه، أو بعد غيابه!.. لكن قوله هذا، ينم، في قياسات علم تشريح خطاب «المقاومة» عندنا، عن قصور خطير في الرؤية الجهادية! ويعطي إشارات الى قلّة دراية صاحبه بـ»الأعداء» ومخططاتهم وطبائعهم! ويدلّ على تراخ مشبوه(؟) في التصدي لهؤلاء، وفي مواصلة التحشيد الربّاني لدرء مشاريعهم الشيطانية!

ولذلك (والله أعلم بالغيب) لن يكون مستغرباً، أن يأخذ سياق المبالغات بأهله الموجودين بيننا، الى المجاهرة بالقول، «ان مصلحة المقاومة تستدعي ارسال جنودها الى ايران للدفاع عنها».. في وجه أعداء مثل روحاني وحليفه المخضرم رفسنجاني!

.. ويا زمن العجائب ما أعجبك؟!!