… وكلام في السيادة
كانت اللهفة مضاعفة لمتابعة عودة المجلس النيابي للانعقاد بعد تعطيل قسري وطويل الأمد، وتتبع جلسات مناقشة البيان الوزاري لمنح الحكومة الثقة بكثافة متوقعة. غير أن بعض الجلسات تكون مملّة حتى لبعض النواب أنفسهم، بسبب اطالة مغرية في الخطابات تحت أضواء التلفزة. غير أن قطار الأستاذ السريع تولّى المهمة، وحذف منها لزوم ما لا يلزم، وتناغم مع ايقاع العهد وحكومته الأولى، وحوّلها الى جلسة نيابية رشيقة، متخففة من الاطالات والترهل والحمولة الزائدة! وهذا من بعض المواهب والمميزات الكثيرة لأسلوب الرئيس نبيه بري، داخل البرلمان وخارجه…
بروح الانفتاح والمناقشة الهادئة والحوار العاقل، بل وبروح الأخوة التي هي أقوى من الشراكة في الوطن، يجدر التوقف عند مقولتين تترددان في الخطاب السياسي اللبناني، وتعزفان على وتر واحد كما على الربابة، يمارسه عازفون محدّدون في المناسبات السياسية خارج البرلمان، وسمع اللبنانيون وصلة جديدة منها في الجلسة النيابية الأولى لمناقشة البيان الوزاري، تمهيدا للتصويت على الثقة لحكومة استعادة الثقة. والمقولة الأولى تتعلق ب سيادة الدولة، والثانية تتناول مقولة قرار السلم والحرب. والقصد هو التوقف مليا وبعمق، عند مضمون كل منهما بعيدا عن العواصف والغرائز والعصبيات.
درجت العادة في الخطاب السياسي اللبناني على القول ان ما يحمي الدولة وسيادتها هو جيشها وقواها الأمنية دون ازدواجية مع أي سلاح آخر خارج الدولة. ويقترن ذلك عادة بالدعوة الى تسليح الجيش وقواه الأمنية وقيام الدولة القوية أو العادلة أو غير ذلك من الأوصاف، لمواجهة الأخطار الخارجية. وهذا يقتضي إذن تحديد تلك الأخطار الخارجية، وهي في هذه المرحلة المتفجرة التي تعيشها المنطقة اليوم ولبنان منها، خطران: الغزوة التكفيرية الهمجية، والعدوان الصهيوني العنصري. وتوصيف الدولة القوية غير دقيق. والأصح القول ان ما يحمي السيادة هو دولة الردع، إذ قد تكون الدولة قوية ولكن أقل قوة من العدو، أكان تكفيريا أو اسرائيليا.
اذا تصورنا حاليا لبنان، كدولة كما نعرفها اليوم، خالية من أي سلاح آخر رادع، فماذا يحصل؟ على الأرجح ان الغزو التكفيري سيغزو لبنان ويأكله، ولا يبقى فيه لا مسلم ولا مسيحي… أو سيتعرّض لغزو يسمّيه العدو الاسرائيلي نزهة، ويصل الى بيروت كما فعل سابقا، وستنتشر فيه البؤر الاستيطانية ساحلا وجبلا، جنوبا وشمالا. إذن حديث السيادة يجب أن يقترن باجابة عن كلمتين: متى؟ وكيف؟ وكل المتحمسين الذين لا نشك بوطنيتهم في حديثهم عن السيادة نوجه لهم هذا السؤال: هل تستطيعون تسمية دولة عربية واحدة هي اليوم صاحبة سيادة؟ وهذا السؤال يشمل الدول العربية كافة ودون استثناء، بما فيها الدول العربية الكبرى التي تملك جيوشا جرّارة وترسانات أسلحة ضخمة؟! وقبل قيام الدولة الرادعة يبقى الحديث عن السيادة كلاما ساذجا موجها الى البسطاء، وما أقل عدد البسطاء في لبنان!
تبقى مقولة قرار السلم والحرب، وهذا له حديث آخر يتبع غدا…