Site icon IMLebanon

ترمب نقل فلسطين إلى الواجهة… و«رب ضارة نافعة»!

 

المفترض أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد استشار ليس خيرة مساعديه فقط وإنما أيضاً قادة الدول الأوروبية الأعضاء في حلف شمال الأطلسي وقادة حتى الدول التي تعتبر صديقة لبلده قبل الإقدام على الخطوة التي كان أقدم عليها بالاعتراف بـ«القدس الموحدة» عاصمة أبدية لدولة إسرائيل، ويقيناً لو أنه كرئيس دولة عظمى تريث قليلاً وبادر إلى مثل هذه «الاستشارات» لما أقدم على هذه الخطوة الارتجالية.

والواضح أنَّ ترمب لم يسمع، قبل أنْ يقدم على هذه الخطوة الخطيرة، إلاّ من بنيامين نتنياهو ومن بعض أعضاء «اللوبي الصهيوني» وأيضاً من نائبه مايك بنس ومن زوج ابنته جاريد كوشنر وأغلب الظن أن هؤلاء وغيرهم قد زادوه قناعة بأنه إذا اعترف بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل فإنه سيحتل مكانة رئيسية بين عظماء التاريخ وأن اسمه سيتقدم حتى على اسم آرثر جيمس بلفور واسم مؤسس الحركة الصهيونية ثيودور هيرتزل.

ثم والمؤكد أنَّ ترمب قد سمع أيضاً من «ناصحيه» أنَّ من عادة العرب أن يقولوا ما لا يفعلون وأنهم قد يلجأون إلى الصخب والصراخ لكنهم لا يلبثون أن يعودوا إلى الغرق في همومهم اليومية وبخاصة أن الشرق الأوسط يمر بما يمر به الآن وأن هناك في هذه المنطقة من يعتبر أن إيران تشكل خطراً عليه أكثر من الخطر الإسرائيلي وأن ما ينطبق على العرب ينطبق على المسلمين وأيضاً على مسيحيي الشرق الذين ينشغلون الآن بالخوف على أنفسهم وعلى مستقبلهم في هذه البلاد من «داعش» ومن هذه الظاهرة الإرهابية المرعبة.

وبالطبع فإن ترمب، الذي يبدو أنه يعاني من عدم معرفة وإدراك للسياسات الخارجية، كان يتوقع أن ترفض روسيا الاتحادية ومعها الصين هذه الخطوة التي أقدم عليها لكنه لم يكن يتوقع أن تقف ضده حتى بريطانيا العظمى وحتى فرنسا، كما أنه لم يكن يتوقع أن يكون هناك كل هذا الاصطفاف العالمي ضد ما قام به وأن جبهة الرفض هذه التي تشكلت ضد أميركا وإسرائيل قد ضمت خلال تصويت الجمعية العمومية للأمم المتحدة 128 دولة من دول العالم.

وهكذا فإن الواضح أن كبار المسؤولين الأميركيين كانوا يعتقدون أن ما تقوله واشنطن ستقوله العواصم الغربية كلها، ومن بينها لندن وباريس، وهذا يعني أن أميركا لم تكن تدرك قبل هذا التصويت الأخير، إنْ في مجلس الأمن الدولي وإنْ في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، أنَّ حتى الدول التي من المفترض أنها حليفة وصديقة لها لم تعد تطيقها، وأن هذه الدول لم تعد تطيق إسرائيل أيضاً، فمرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية قد انتهت وأن إسرائيل قد أصبحت دولة محتلة وأصبحت تمارس ضد الشعب الفلسطيني العنف والبطش بكافة أنواعه وأشكاله، وحقيقة أن هذا التطور يجب أن ينظر إليه العرب على أنه في غاية الأهمية، وأنه عندما تصبح الولايات المتحدة ومعها دولة الاحتلال الإسرائيلي معزولة ومستفردة على هذا النحو، فإنه على المجموعة العربية أن تتخذ نهجاً جديداً غير نهجها السابق، وأنْ تزداد اقتراباً من بريطانيا ومن دول الاتحاد الأوروبي وفي مقدمتها فرنسا وألمانيا، وأن تأخذ في اعتبارها أن عالم اليوم لا تزال عنده قيم نبيلة وهذا بالإضافة إلى عوامل المصالح التي هي عوامل أساسية ورئيسية.

وهنا فإن الأهم في هذا كله هو أنَّ «ربّ ضارة نافعة»، إذْ إن المعروف أن القضية الفلسطينية قبل هذه الخطوة التي أقدم عليها دونالد ترمب كانت غائبة عربياً وإسلامياً غياباً كاملاً، وأن تطورات هذه المنطقة بعد عام 2011 قد ابتلعت هذه القضية، وأن الإسرائيليين واصلوا بطشهم الدموي خلال كل هذه الأعوام بالشعب الفلسطيني وواصلوا «تهويد» الضفة الغربية ومن ضمنها القدس الشرقية بينما كان العرب وكأنهم يغطون في سبات عميق وبينما كان العالم كله ينشغل بالتحديات الإرهابية وبمشاغله وصراعاته ومشاكله وإشكالاته الكثيرة.. وهكذا فإن هذا الهم العربي الرئيسي، الذي هو فلسطين قد تراجع كثيراً وأصبح وللأسف آخر الهموم العربية.

صحيح أنَّ القيادة الفلسطينية وعلى رأسها الرئيس محمود عباس (أبو مازن) قد حققت خلال هذه السنوات البائسة الكثير من الإنجازات الفعلية من بينها الاعتراف بالسلطة الوطنية دولة تحت الاحتلال ومن بينها القبول بفلسطين عضواً كامل العضوية في كثير من الهيئات الدولية، لكن المشكلة أن الجمود بالنسبة للعملية السلمية قد أصبح ضاغطاً في ضوء انشغال العالم بهمومه المستجدة وفي ضوء أن الإدارة الأميركية في عهد باراك أوباما بقيت، بالنسبة لهذه العملية، تدور في حلقة مفرغة وأنها لم تحرز أي تقدم على الإطلاق وكل هذا بينما استغلت إسرائيل مستجدات هذه المنطقة وذهبت بعيداً في إقامة المستوطنات وفي ابتلاع الأراضي الفلسطينية وأدارت ظهرها لعملية السلام وإلى حدّ أنها باتت لا تتورع عن الإعلان بأنّ كل ما احتلته في عام 1967 هو أراضٍ إسرائيلية!!

ما كان ترمب ومعه بنيامين نتنياهو يتوقعان أن قرار الاعتراف بالقدس الموحدة عاصمة لدولة إسرائيل سيؤدي إلى هذه الانتفاضة الكونية وإلى كل هذا الاصطفاف الدولي إلى جانب فلسطين والشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، ولذلك فإن المطلوب من العرب، رغم انشغالهم بقضاياهم الخاصة، الحفاظ على هذا الإنجاز ومواصلة الضغط على الأميركيين وعلى الإسرائيليين والحفاظ على كل هذه المكاسب التي تحققت وفي مقدمتها مواصلة السعي لاعتراف هذه الدول الـ128، ومن بينها الـ14 دولة الأعضاء في مجلس الأمن، بدولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو (حزيران) عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

مرة أخرى «رب ضارة نافعة» والحقيقة أنها المرة الأولى في تاريخ هذا الصراع المرير الطويل الذي تصبح فيه أميركا تبدو معزولة على هذا النحو والذي تصبح فيه إسرائيل محاصرة بهذه الصورة، لقد كانت القضية الفلسطينية غائبة إنْ ليس عربياً فدولياً قبل أن يقدم الرئيس ترمب على ما أقدم عليه، والآن وقد أصبحت هناك هذه «الصحوة» الدولية فإنه لا يجوز إضاعة ولو فرصة صغيرة واحدة، وعلى العرب أن يحيّدوا في هذه المرحلة التاريخية المهمة والخطيرة قضية فلسطين وأن لا يزجوا بها في مشاكلهم وإشكالاتهم الكثيرة… إنها فرصة قد لا تلوح مرة ثانية بأن تصبح الولايات المتحدة في عزلة كهذه العزلة الحالية وأن يتحول العالم كله ضد الاحتلال الإسرائيلي والممارسات الإسرائيلية، وأن يقفز الوضع الفلسطيني إلى واجهة الاهتمامات الكونية وعلى هذا النحو… إنها فرصة ثمينة ويجب ألا تضيع!!

هناك معلومات تتحدث عن أن الأميركيين بعد حصول كل هذا الذي حصل قد يفكرون جدياً في تصحيح الخطأ الذي يكمن في قرار واشنطن الخاص بالقدس والتقدم بمبادرة من الممكن أن تكون مقبولة إنْ هي نصت على الأساسيات ووفقاً للقرارات الدولية التي دعت إلى إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو عام1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وتتحدث أيضاً عن عاصمتين لدولتين؛ عاصمة فلسطينية في القدس الشرقية وعاصمة إسرائيلية في القدس الغربية، والمؤكد أن هذه خطوة في غاية الأهمية إنْ صحت هذه المعلومات.