Site icon IMLebanon

نقل «الرفات» على أنقاض جثة تتحلّل

ليس واضحاً حتى الآن حدود تداعيات «العملية التركية» الأخيرة التي حصلت تحت عنوان «نقل رفات» مؤسّس الدولة العثمانية «سليمان شاه» إلى مكان أكثر أمناً.

برَز خطاب أميركي جديد بعض الشيء، قبل العملية وبعدها، لناحية الحديث عن معطيات إقليمية ودور أكبر لبعض القوى، سواءٌ في ضرب «داعش» أو في التصَدّي للعوامل المحَفّزة للإرهاب وانتشاره.

ترافقَ ذلك مع تغطيةٍ إعلامية وتركيز على وجهات نظر، تصبّ في غالبيتها في حملِ الرأي العام الأميركي على تقبّل فكرة العودة لتأدية دور أكثر حيوية في الأزمات المندلعة في المنطقة، والقبول بعودة شكل من أشكال التدخّل الميداني.

وكشفَت تقارير عسكرية وسياسية أميركية أنّ هذا التدخّل سيعتمد على خليط من العمَل العسكري عبر وحدات خاصة وعمليات إستخبارية أميركية وعربية وإمكانات تكنولوجية متطوّرة، ينخرط فيها سلاح الجوّ وطائرات بلا طيّار، وقيادة قوات عسكرية محَلّية تتولّى التطهير وتوجيهها.

هكذا ينظر إلى لهجة بعض المسؤولين الأميركيّين «المتشدّدة» تجاه الأزمة السوريّة، ما اعتُبر مؤشّراً على احتمالات ميدانية قد تتصاعد حِدّتها في الأسابيع المقبلة.

ولا يستبعد هؤلاء أن تكون العملية التركية «بروفا» لما يمكن أن يحصل مستقبلاً في الجبهة الشمالية، خصوصاً أنّ الإعداد لها لم يتمّ بين ليلة وضحاها.

ويؤكّدون أنّ مشاركة رئيس أركان الجيش التركي الجنرال نجدت أوزال للمرّة الأولى في اجتماع القيادات العسكرية لقوى التحالف الدولي في الرياض الأسبوع الماضي كان مؤشّراً، في حين أنّ توقيع الاتّفاق الأميركي – التركي على تدريب المعارضة بدا تمهيداً لتحويل منطقة الشمال، «محميّة تركية»، في وقتٍ أثمرَت الاتّصالات والاتّفاقات تعاوُناً كردياً صافياً مع أنقرة، من العراق الى شمال سوريا.

من وجهة نظر جيوسياسية، فإنّ دخول القوّة التركية أسقطَ نهائياً فكرة وجود نظام لا يزال يَحكم سوريا، في وقتٍ تتقاسم القوى الإقليمية، سواءٌ بالواسطة أو مباشرةً أو حتى بخليط من النوعين، السيطرة واتّخاذ القرار فيها.

يصف أحد المسؤولين الأميركيين ما حدثَ بأنّه رسالة واضحة بأن لا مستقبل لنظام الرئيس بشّار الأسد، وأنّ الأمر لا يتعلق بالقبول به شريكاً في الحرب على «داعش» أو في مستقبل العملية السياسية. فهذا النظام بات «جثّة تتحلّل»، في حين أنّ الإصرار على التمسّك به ومحاولة تحقيق نجاحات ميدانية، تحَوَّل عبئاً كبيراً على داعميه، فيما التسريبات تشير إلى عشرات مليارات الدولارات دفعَتها إيران منذ اندلاع الأزمة السورية قبل أربع سنوات حتى اليوم.

ويشير بعض التحليلات العسكرية الى أنّ الإخفاقات التي مُنِيت بها القوات التي تقودها إيران في شمال سوريا وجنوبها، قد تكون مؤشّراً على صعوبة تكرارها مستقبلاً، فيما تصريحات وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر من الكويت، ترسم «خطوطاً» لمختلف اللاعبين، في سوريا والعراق على حدّ سواء.

وترى تلك الأوساط أنّ توقيع الاتّفاق الأميركي – التركي لمحاربة «داعش»، نتيجتُه المنطقية ستكون نشوء منطقة آمنة ستتوسّع تباعاً، لتتوَلّى المعارضة لاحقاً ملءَ الفراغ في المناطق التي ستتحرّر من قبضة التنظيم. فالأتراك اقتنعوا بأنّ إسقاطَ الأسد ومحاربة «داعش» أمران متعذّران، خصوصاً أنّ قدرةَ التنظيم على الانقضاض على المناطق التي يمكن تحريرها من قبضة الأسد، أسرع بما لا يُقاس مع قدرة بقيّة فصائل المعارضة القائمة اليوم.

وتؤكّد تلك الأوساط أنّ توغّل القوات التركية في الأراضي السورية لم يجرِ في مناطق سيطرة «داعش»، وضريح «سليمان شاه» يقع تحت سيطرة ما يُعرَف بـ»الجيش الحر».

لذلك فإنّ «بروفا» التوَغّل التركي كانت اختباراً لمدى نجاعة التنسيق الميداني بين الأتراك وقوات التحالف الدولي والقوى الميدانية الأخرى، ما يُمهّد لبلوَرة تحرّكات عسكرية مستقبلية أكثر جذرية.

فإذا كان الجميع متّفقين على أولويّة هزيمة «داعش»، عندها لا حرَجَ في بحث مستقبل العلاقة بين الأطراف المشاركة في تلك الهزيمة، سواءٌ كانوا ضمن التحالف أو خارجه.

تركيا التي تحرص على علاقات شبه طبيعية مع إيران، لا يضيرها تقاسم النفوذ معها، فيما الراعي الأكبر للتوازنات في تلك الحرب الممتدّة من العراق إلى سوريا وليبيا واليمن، قرّرَ النزول بثقلٍ لا يمكن تجاوزه بما يمكّنه من إدارة تناقضات تلك الأطراف وتدمير «داعش» في الوقت نفسه.