«ترانسفير» جديد لـ «حزب الله» في وادي بردى
علي الحسيني
هي حلقة جديدة من مسلسل التهجير القسري الذي يقوده النظام السوري وحلفاؤه، وعلى رأسهم «حزب الله» والميليشيات المؤتمِرة من «الحرس الثوري الإيراني» في الداخل السوري. فبعد «القصير» و«الزبداني» و«مضايا» وقرى القلمون، حط التهجير رحاله هذه المرة، في وادي بردى غربي مدينة دمشق، وليُظهر عن حقيقة سعي حلفاء نظام بشّار الأسد وحلفائه، إلى إفراغ المدن والبلدات التي تُشكّل عقبة أمامهم من سكّانها، وتكريس احتلال مزيّن بعبارة «الإتفاق»، لكنه في الحقيقة يدخل ضمن مشروع إقليمي واضح المعالم والأهداف.
منذ إنخراطه في الحرب السورية تحت حجج متعددة ومتنوّعة سعى من خلالها إلى تبرير عدوانه، وسكوته عن مجازر نظام الأسد المتكررة بحق الشعب السوري والمتنقلة بين منطقة وأخرى، ها هو «حزب الله» وبالتنسيق مع نظام القتل، يفرد لنفسه صفحات جديدة وموثقة من عمليات احتلاله لمناطق سورية، كانت حتّى الامس القريب آمنة بعيدة عن الإستهداف والموت، قبل ان تُصبح في مرمى المؤامرات التي تُمهّد لإفراغ المناطق من اهلها وترحيلهم، أو بالاحرى محاصرتهم في بلدات تشي كل المعلومات أن الدور سيأتيها خلال الفترة المقبلة، ولتُصبح التغريبة تغريبتين حتى ولو كانتا ضمن البلد نفسه.
بعد عجز حلف «الممانعة» عن اقتحام قرى وبلدات وادي بردى، لجأ هذا الحلف وكعادته إلى ممارسة الضغوط على الأهالي من خلال مُحاصرتهم ومنع وصول الطعام والدواء اليهم، تماما كما فعل في السابق في «الزبداني» و«مضايا» اللتين حاصرهما لفترة تزيد عن ثلاث سنوات، إلى أن علت صرخة الموت داخل البلدين، فكان لـ «الممانعة» ما أرادت، «إتفاق» ملوّث بجرائم قتل بحق الأطفال والنساء. واليوم ها هو «إتفاق» وادي بردى يستعيد الذكريات المؤلمة نفسها، ويُعرّي النظام و«حزب الله» وينزع عن وجهيهما قناع «الإنسانية» بعدما قضى بإخراج العائلات من منازلهم نحو إدلب برفقة الهلال الأحمر، ولتدخل بعدها سيارات الإسعاف بهدف إجلاء الجرحى الذين يئنّون من إصابات تعرّضوا لها، منذ أسابيع.
هذا «الاتفاق» أتى بعد 38 يوماً من الحملة العسكرية الشرسة للنظام و«حزب الله»، تعرض خلالها جزء كبير من المنطقة للدمار. وقد ترافقت حملة القصف مع حصار مطبق مُنع خلاله دخول كافة المواد الغذائية والطبية إلى البلدات، الأمر الذي فاقم المعاناة الإنسانية لآلاف المدنيين الذين دفعتهم إلى ترك منازلهم والنزوح عنها كخيار وحيد للبقاء على قيد الحياة، على الرغم من الإهانات والمضايقات وعمليات الترهيب والخطف في بعض الاحيان، التي تعرضوا لها، أثناء خروجهم. وللتذكير انه ومنذ ثلاث سنوات، كان «حزب الله» قد قرّر اقتحام وادي بردى التي تُشكّل المصدر الأساس لمياه العاصمة دمشق، لكنه عدل عن خياره بعد إتفاق فعلي مع المعارضة المُسلّحة، قضى حينها بعدم دخولها مقابل عدم قطع المياه عن دمشق ومُحيطها.
يبدو أن التهجير القسري والتهديد بالجوع والعطش ومنع وصول الدواء للأطفال والمرض، تحوّلت إلى أهم الوسائل وأبرزها بيد «حزب الله» والنظام، لإفراغ البلدات من سُكّانها بعدما عجزا عن تحقيق إنتصارات فعلية على الأرض. ومن هذا المنطلق، أكد «الإئتلاف الوطني» لقوى الثورة والمعارضة السورية أمس، أن «أي عملية يتم خلالها إخراج أو تهجير مدنيين من بيوتهم وبلداتهم، تحت أي ذريعة، هي خرق وانتهاك واضح لاتفاق وقف إطلاق النار، واستمرار مكشوف في مخططات التغيير الديمغرافي القسري»، مندّداً بـ«إجبار سكان وأهالي وادي بردى على ترك أرضهم، وتخييرهم بين الخروج منها، أو الجوع والحصار، أو العودة والخضوع لقمع النظام والميليشيات الإرهابية الأخرى».
أبناء قرى وادي بردى يؤكدون أن النظام و«حزب الله»، لا يُريدان التعهّد بأي إتفاق وأكثر من ذلك، فهما يخرقان الهدنة المُعلنة عشرات المرة يوميّاً من دون أي رقابة عليهما. ويكشف الاهالي ان المسؤول عن «لجنة التفاوض» أحمد حسن الغضبان والمُكلّف من قبل المعارضة والاهالي بالتفاوض، قد قُتل منذ اسبوعين، على حاجز مشترك تابع لـ«حزب الله» و«الحرس الجمهوري» عند حاجز رأس العمود، إثر الانتهاء من جلسة مفاوضات مع النظام برئاسة رئيس «الأمن القومي» اللواء علي مملوك المطلوب للقضاء اللبناني في قضية نقل المتفجرات من سوريا إلى لبنان، والمعروفة بـ «سماحة ــ مملوك».
ما عادت أخلاقيات الحروب ركناً أساسياً من أركان «حزب الله» القتالية ولا حتّى العقائدية، ففي لحظة تتكشّف أوراقه وتسقط عنه ورقة «المقاومة» التي كان يتلطّى خلفها لتكشف عن زيف مصطلحات وشعارات ومُمارسات بحق شعب ارتكب خطيئة كُبرى يوم دعم الحزب في مغامرته عام 2006 ووقف الى جانب جمهوره وفتح له أبواب منازله في قرى وبلدات، حوّلها «حزب الله» اليوم إلى معتقل سياسي يُشبه إلى حد ما، معتقلَي «الخيام» و«أنصار»، لكن مع فارق أن المحتل هذه المرّة هو فريق يدّعي «المقاومة»، لكن يُمارس أسوأ انواع القهر والبلطجة بحق الشعب السوري.