التحولات التي تشهدها المنطقة تجعل الفرقاء يعيدون النظر بحساباتهم
برّي يُعيد الاعتبار للاستحقاق الرئاسي على ما عداه من الأزمات الداخلية
يعتقد مراقبون أن التحولات في الأزمة السورية ستدفع حزب الله إلى إعادة النظر بتدخله العسكري وحفظ ماء وجهه بتسهيل انتخاب الرئيس
عود على بدء هذا كان عنوان جلسة الحوار التي إنعقدت أمس، وبصرف النظر عن نتائج النقاشات التي دارت بين المحاورين، يرى المراقبون فيما حصل مؤشراً على وجود بارقة أمل فتحت في الملف الرئاسي المغلق منذ قرابة السنتين نتيجة عوامل داخلية وإقليمية ودولية مشتركة أحياناً ومتضاربة أحيانا أخرى، ذلك لأن عودة هيئة الحوار الی اعطاء الأولوية للملف الرئاسي بعدما غاب عن الجلسات الأخيرة التي عقدتها وانصرف المتحاورون إلى معالجة مسائل عادية كتفعيل عملي مجلس النواب والحكومة لإشعار اللبنانيين بأن الملف الأساس مقفل بعدما أصبح في أيدٍ خارجية وإقليمية، يحمل في طيات أكثر من مؤشر على أن هذا الباب المقفل أعيد فتحه وأن الطريق أصبحت شبه سالكة في حال أحسن الفرقاء المعنيون استخدامها.
ويأتي هذا الانفراج، كما يراه المراقبون بعد عدّة تطورات داخلية حصلت مؤخراً وبعد تطورات إقليمية تتبلور ملامحها يوماً بعد آخر.
الأول، عودة الرئيس سعد الحريري إلى بيروت، حيث أعادت الملف الرئاسي إلى الاهتمام الأول، وشهد مجلس النواب لأول مرّة منذ الشغور حضوراً نيابياً لامس الثلثين، والأمر الذي أعطى زخماً لإمكانية لبننة هذا الاستحقاق على أساس صيغة توافقية يكون حزب الله أحد أركانها الأساسيين، وتنتهي بانتخاب مرشّح الحريري الوزير السابق سليمان فرنجية بوصفه حليفاً أساسياً للحزب أو بالاتفاق على مرشّح من خارج الاصطفاف السياسي الحاصل يرضى عنه ضمناً حزب الله ولا يعتبره خصماً له ولنهج المقاومة الذي يتمسك به.
ثانياً، استمرار الحوار بين تيّار المستقبل وحزب الله رغم التصعيد السعودي والخليجي رداً على تصعيد حزب الله، واعتبار رئيس التيار الأزرق أن الحزب لا يعطل الانتخابات الرئاسية بل يستمهل ذلك إلى أن تأتي الظروف المؤاتية لهذا الانتخاب، وهو موقف يصدر لأول مرّة عن الرئيس الحريري، مما يعني أن لديه معطيات إيجابية عن موقف حزب الله من هذا الاستحقاق يمكن أن تظهر في المستقبل القريب وتفرج عن هذا الاستحقاق، فضلاً عن أن قراره بإستمرار الحوار معه لا يمكن أن يتخذه من دون ضوء أحضر سعودي، الأمر الذي يعني بأن المملكة ما زالت على موقفها الثابت لجهة تسهيل إيجاد الاستحقاق الرئاسي اللبناني بمعزل عن المواقف التي اتخذتها رداً على حلات حزب الله التصعيدية ضدها إرضاء لإيران التي ما زالت مصممة على مشروعها التوسعي في المنطقة العربي عموماً ومنطقة الخليج خصوصاً.
ثالثاً، التحولات التي تشهدها الأزمة السورية وانحسار الدور الإيراني فيها، وحلول الدور الروسي محله وصولاً إلى لاتفاق الروسي – الأميركي على وقف القتال في سوريا كمقدمة للدخول في مفاوضات بين الجانبين تحدد موعدها في 14 الجاري لمتابعة البحث عن صيغة سلمية للأمة الناشبة لا يكون للرئيس بشار الأسد مكان فيها، ومن الطبيعي أن تدفع هذه الحولات بحزب الله إلى إعادة النظر في تدخله العسكري إلى جانب لنظام السوري بعد إيجاد المخرج الذي يحفظ ماء الوجه وهذا لا يكون إلا من خلال تسهيل الاستحقاق الرئاسي وقيام سلطة جديدة في لبنان، تمسك فيها الدولة بقرار السلم والحرب وتوفر الخروج المطلوب لحزب الله للعودة إلى الدولة من دون أن يتجاوز الأمر حدود التفاهمات القائمة حول ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة.
ويعتقد المراقبون أن الرئيس نبيه برّي وبما يملك من معلومات أو حس سياسي التقط هذه المؤشرات والتحولات، وبادر إلى إعادة طرح ملف الاستحقاق الرئاسي إلى واجهة هيئة الحوار الوطني التي انعقدت أمس، وكان مقرراً لها أن تبحث في ملف النفايات الذي تحول إلى فضيحة دولة، للفت نظر المتحاورين بأن الاستحقاق الرئاسي لم يسحب من التداول بقدر ما أعيد وضعه على نار حامية استناداً إلى التطورات والتحولات التي تشهدها سوريا وكل المنطقة العربية، فضلاً عن رفضه أن تتحول هيئة الحوار إلى مجلس رئاسي يحل محل رئيس الجمهورية وتصبح السلطات الدستورية بدءاً من الحكومة وصولاً إلى مجلس النواب تابعة إليه، وبذلك يكون قد سقط نهائياً موضوع الانتخابات الرئاسية من حسابات الجميع على السواء.
من هنا، يضيف المراقبون، لا بدّ من التوقف أمام خطوة الرئيس برّي على هذا الصعيد والتوغل في مدلولاتها السياسية ولا سيما على صعيد إعادة لبننة الاستحقاق الرئاسي مستفيدين من هذه التحولات والتطورات التي تشهدها سوريا بدءاً من الاتفاق الروسي – الأميركي وانتهاء بارتياح الدول الغربية التي ما زالت تهتم بالوضع اللبناني ولا سيما فرنسا التي على تواصل مع كل الأطراف اللبنانية ومساعدتهم على إيجاد مخرج لأزمة الاستحقاق الرئاسي التي بات استمرارها يُهدّد الكيان.