Site icon IMLebanon

تحوّلات

كل المؤشرات تدلّ على أن الولايات المتحدة الأميركية لم تعد مستعجلة، كما كانت في الأشهر الأربعة الأولى من فراغ سدة الرئاسة اللبنانية، على إملاء الشغور قبل أن يتحوّل مع مرور الأيام إلى عُرف يعتاد اللبنانيون عليه كلما تعقدت عملية انتخاب رئيس الجمهورية. ويبدو أن تحرك السفير ديفيد هيل هذه الأيام بين عدد من المقار الرسمية كرئاسة الحكومة ووزارة الشؤون الاجتماعية وقبلهما وزارة الداخلية يندرج في سياق إبلاغ المسؤولين تمنيات حكومته ونصائحها بوجوب التركيز على حسن تدبير شؤون البلاد لأن المناخ المحيط لا يوحي بقرب انتخاب رئيس الجمهورية ولذلك ينصح بضرورة عدم الاتكال على حصول تطورات خارجية في المستقبل المنظور من شأنها أن تساعد على حلحلة العقد التي تؤخر الانتخابات الرئاسية.

ويُفهم من كلام السفير الأميركي الذي يأتي قبل أسابيع قليلة من الموعد المقترح لتوقيع الاتفاق النووي بين إيران وحكومته أنه لا يجب المراهنة على هذا الاتفاق لتسهيل عملية الانتخابات الرئاسية ولا يجوز في كل الأحوال اعتبار إنجاز مثل هذا الاتفاق إذا حصل يشكل المعبر الوحيد أو الأساسي للعبور منه إلى إنجاز الاستحقاق الرئاسي وإراحة لبنان من أعباء الانتظار الذي يقترب بسرعة من سنته الأولى.

ويأتي السفير الأميركي بهذه النصائح بعد بضعة أسابيع من زيارة الموفد الفرنسي فرانسوا جيرو إلى لبنان والذي وجه ذات النصائح الأميركية إلى الرسميين والقيادات اللبنانية التي التقاها وأضاف عليها تحذيرهم من الاعتماد على الخارج لحل أزماتهم الداخلية بدءاً من الاستحقاق الرئاسي وتنبيههم إلى ضرورة لبننة هذا الاستحقاق والاعتماد على أنفسهم لأن اهتمامات الخارج تتعدى الحالة اللبنانية الى الأوضاع في الإقليم الذي يشهد تحولات كبيرة لا يمكن أن تتوضح صورتها قبل سنة أو سنتين وربما أكثر من ذلك، ولا يصح بالتالي أن يربط اللبنانيون أنفسهم وقضاياهم ومشاكلهم بما يجري في الخارج، بما في ذلك التقارب الأميركي – الايراني كون طهران معنية بلبنان وبإمكانها أن تلعب أدواراً إيجابية أو سلبية في ما يتعلق بأزماته الداخلية ومنها على وجه الخصوص أزمة الانتخابات الرئاسية التي تعتبر بالنسبة الى معظم اللبنانيين أن استمرارها من دون حل من شأنه أن يعرض بلدهم للوقوع في مطبات كثيرة، كما يتردد على لسان معظم القيادات السياسة والمراجع الروحية كالبطريرك الماروني بشارة الراعي الذي حذر أكثر من مرة من انعكاسات استمرار الشغور في رئاسة الجمهورية على الوجود المسيحي في لبنان.

وإذا كان كلام البطريرك الراعي موجهاً في الأساس إلى القيادات المارونية التي تعرقل الانتخابات الرئاسية بغية وصول شخصية معينة الى احتلال هذا المركز فإن التحرك الدبلوماسي الأميركي وقبله الفرنسي يصب في الاتجاه عينه مع حث القيادات اللبنانية على عدم الاتكال على الخارج في تسوية أزمات لبنان فيما هم منشغلون بأمور أكبر وأكثر إلحاحاً تمتد من اليمن الى البحرين ومن العراق الذي تحاول إيران تحويله إلى إحدى عواصمها الأساسية إلى سوريا التي تريد أن تبقى تحت قبضتها بنظامها الحالي حتى ولو أدى بها الأمر إلى أن تخوض بشكل مباشر معارك ميدانية للحفاظ على النظام وقد يكون هذا القرار ما زال يشكل نقطة خلاف أساسية بين الجمهورية الاسلامية والنظام الروسي.