يعلن الجميع حتى الآن نيتهم «العبور» الى الانتخابات البلدية والاختيارية على وزن شعار فريق 14 آذار «العبور الى الدولة»، ولكن العبور الى الانتخابات شيء والعبور منها شيء آخر. فأي عبور يقدم عليه فريقا 8 و14 آذار وما بينهما في هذا الاستحقاق الانتخابي الذي ما تزال الشكوك تحوم حول إمكان عدم حصوله في موعده.
يشكل هذا الاستحقاق الانتخابي البلدي والاختياري اول اختبار انتخابي لفريقي 8 و14 آذار لاستبيان قدراتهما التمثيلية الشعبية منذ الانتخابات النيابية عام 2009 وتعطل اجراء انتخابات جديدة في 2013 وما استتبعه من تمديد لولاية المجلس النيابي على مرحلتين بما يغطي ولاية كاملة.
عام 2013 خشيت قوى عدة خوض غمار الانتخابات النيابية لئلا تخسر من المقاعد النيابية التي حصلت عليها في انتخابات 2009، فريق 8 آذار، او على الاقل القسم الاكبر المؤثر فيه رغب خوض غمار العملية الانتخابية عله يعوض خسارته الاكثرية النيابية في انتخابات 2009، او على الاقل يعيد اقامة التوازن المفقود بينه وبين الفريق الآخر.
اما فريق 14 آذار فتهيب الموقف وفضل التمديد للإحتفاظ بالاكثرية النيابية، او على الاقل بتفوقه العددي على الفريق الآخر بعد إنسلاخ كتلة النائب وليد جنبلاط عنه.
لكن الرياح سارت عكس ما اشتهى فريق 8 آذار، اذ بادر الفريق صاحب شعار «العبور الى الدولة»، اي فريق 14 آذار، الى تجنب الاختيار الانتخابي رافعا شعار «رئيس الجمهورية اولاً»، وذلك على قاعدة انه لا يجوز انتخاب مجلس نيابي جديد قبل انتخاب رئيس جمهورية جديد، وترافق هذا الامر مع خلاف استحكم بين الفريقين الآذاريين وحلفائهما حول قانون الانتخاب العتيد، وكادت الانتخابات ان تجري يومها على اساس قانون 1960 النافذ بسبب فشل القوى السياسية في الاتفاق على القانون الانتخابي حتى اللحظة الاخيرة، وكانت النتيجة ان فريق 14 آذار وعلى رأسه تيار «المستقبل» عبر، بل تجاوز، الانتخابات الى التمديد لمجلس النواب، فيما فريق 8 لم يجد ضيرا في قبول هذا التمديد، خصوصا بعدما برزت عقدة «الميثاقية» في وجه الجميع، ولا سيما منهم رئيس مجلس النواب نبيه بري، حيث لم يكن في الامكان اجراء انتخابات نيابية يقاطعها او لا يشارك فيها
تيار المستقبل بما يرمز اليه من مكوّن اساسي من المكونات السياسية والمذهبية والطائفية في البلاد.
لم يكن في امكان بري ان يتصرف بغير التجاوب مع رغبة الجميع بالتمديد للمجلس، وهي رغبة غلّفها البعض أو بررها بالخوف من حصول صدامات طائفية ومذهبية في البلاد بفعل تداعيات الحروب المندلعة في سوريا والعراق منذ ذلك الحين وقبل ان تمتد الى اليمن لاحقا.
وبالفعل فإن الواقع كان في جانب منه محفوفاً بمخاطر حصول صدامات من هذا النوع نتيجة ارتفاع نبرة الخطاب السياسي لدى مختلف القوى السياسية، مشفوعا بارتفاع حدة التوتر المذهبي المتأتي من الحروب السورية والعراقية، وكان ذلك كافيا للتمديد النيابي الاول ثم للتمديد الثاني للولاية النيابية الممددة الذي ترافق ايضا مع ارتفاع أوار تلك الحروب.
ويقول بعض السياسيين ان تلافي الاختيار الانتخابي النيابي غير المضمون النتائج لدى هذا الفريق السياسي او ذاك والذي تم تجاوزه بذريعة «المخاطر الامنية» التي يمكن ان يتعرض لها البلد، يحاول البعض الآن سحبه الى الاختبار الانتخابي البلدي والاختياري، ما يثير الشكوك حول احتمال تأجيل هذا الاستحقاق اسوة بالاستحقاق النيابي وبالذريعة نفسها، وهذا ما يفسر عدم وجود تلك الحماسة المعهودة واللافتة لدى الجميع لخوض غمار هذا الاستحقاق الآن.
فالبعض يتعاطى معه بتؤدة وفي حسبانه احتمال التأجيل، فيما البعض الآخر يتصرف على قاعدة ان الانتخاب حاصل وان تأجيله ان حصل لن يضير في شيء.
ويقول هذا السياسي ان وزارة الداخلية قد انجزت الترتيبات والتحضيرات الامنية واللوجستية المطلوبة منها للانتخابات البلدية والاختيارية وحددت مواعيدها في شهر ايار المقبل، لكن القرار السياسي بخوض الانتخابات تبدو جديته متفاوتة بين فريق وآخر، فيما تسود في بعض الاوساط السياسية والشعبية مخاوف جدية من حصول احداث من شانها ان تعطل هذا الاستحقاق.
وزارة الداخلية اتخذت القرار الاداري واللوجستي المطلوب منها كمرجعية صاحبة الصلاحية الادارية الاولى باجراء هذه الانتخابات ولكن القرار السياسي المطلوب لهذا الاستحقاق يبقى رهن ارادة القوى السياسية التي بدأت تجري حسابات الربح والخسارة الافتراضية قبل الاقدام على خوض العمليات الانتخابية، لأن هذه الانتخابات ستكون فعلا «اختبار قوة» لجميع القوى السياسية قبل ان تذهب الى استحقاق الانتخابات النيابية في ربيع سنة 2017.
بعض هذه القوى يحبذ بقوة الخضوع لهذا الاختبار ليبني على الشيء مقتضاه لاحقا ويستعد لانتخاباته النيابية، لكن البعض الآخر ممن اجرى حساباته وخرج بحماسة قليلة لخوض هذا الاختبار، يتمنى ان يتعرقل الاستحقاق «بفعل فاعل»، او «برمية من غير رام» حتى لا يُدرج في خانة معطلي العمل الديموقراطي، واذا اسقط من يده يلجأ الى الورقة الأخيرة، أي ذريعة «الميثاقية» فيهدد بمقاطعة الانتخابات او يطرح انتخاب رئيس الجمهورية اولاً، هاربا من «دولة الانتخابات» الى «دولة التمديد» بدل العبور الى الدولة بتمثيل سياسي وشعبي جديد.