Site icon IMLebanon

«المرحلة الانتقالية».. الى الشمال

لم يقدّم الى الآن، أي طرف سوري أو اقليمي أو دولي قراءة «موثقة» لما يريده الروس في شمال سوريا. وما هو السقف الذي يتحركون تحته. لكن ذلك لم ولا يمنع فرق الردّيحة والتشبيح السياسي والاعلامي الممانعة في مجملها، من الاسراع الى تقديم خلاصاتها هي، وطرحها كبديل توضيحي عن الابهام المضاد.

طبيعي بداية الإقرار، بأنه ليس أمراً بسيطاً ذلك الابهام الاقليمي والغربي المستمر إزاء الخطوة الاستثنائية الروسية، لكن البعض يرى في هذا تحديداً، سبباً لافتراض شيء آخر غير الذي يطبّل له ويزمّر المحور الممانع: الاميركيون والاوروبيون والاتراك والجانب العربي الداعم للحق السوري في وجه الجور الاسدي، لم يجدوا حتى اللحظة شيئاً يستحق الاستنفار! ولا حتى الاستنكار الواضح! بل ان كل هذا الضجيج يبدو عندهم وكأنه ظاهرة صوتية لا اكثر! والتعامل معها يستدعي شيئاً طبّياً له علاقة بإجراءات حماية للسمع أكثر بكثير من حاجتها الى اجراءات ميدانية مضادة!

وهذا الاستنتاج ابن شرعي للمنطق.. وإلاّ كيف يمكن الغموض أو التردد إزاء تحريك روسيا قوات عسكرية وانزالها في منطقة الشمال السوري على بعد امتار من حدود «حلف الاطلسي» لو لم يكن ذلك كله متلائماً مع «قواعد الاشتباك» الدولية ولا يتخطاها!

.. ثم بغضّ النظر عن سياسة اوباما إزاء النكبة السورية من اساسها، فان التحرك الروسي يبدو في ظاهره الجيو- سياسي أكبر من حدود تلك النكبة ومن قصة «مصير الأسد»، ومع ذلك، لم تجد واشنطن ولا غيرها، ما يستدعي دقّ النفير!

ذلك يحيل الامر برمّته الى استنتاجين شديدي التناقض: إما ان بوتين يتحدى ويستعيد قصة خروتشوف مع كينيدي في ازمة الصواريخ الكوبية وفي ظنّه «نهاية» مختلفة (وهذه هلوسة ممانعاتية بامتياز) وإما انه يدفع فعلياً الى الواجهة خيار تقسيم سوريا من خلال تحضير البنية الدفاعية المناسبة لدويلة الساحل بعد ان تبيّن استحالة العودة الى ما كان سابقاً.

الاحتمال الثاني (الارجح) يدعّم الخلاصة القائلة بأن فرق الردح الممانعة عندنا لا علاقة لها بالمنطق، بل هي، على عادتها الأصيلة، تكذب وتنكر وتستطرد على هواها.. لا تنتبه مثلاً الى ان نزول الروس في الشمال السوري هو تأكيد صارخ على فشل كل بديل اعتمد على مدى السنوات الاربع الماضية لكسر الثورة وتحطيم بنيانها. ولا تنتبه الى انها، منذ اللحظات الاولى، أنكرت ان هناك تظاهرات، ثم أنكرت ان هناك ثورة، ثم أنكرت ان النظام يهرّ متراً وراء متر.. ثم أرفقت النكران بالوعود «الحتمية» عن «الحسم في الاسبوع المقبل»! ولا تنتبه راهناً، الى ان كل الجدل الدائر ينطلق من مسلّمة مشتركة هي ان النظام الاسدي انتهى، وان البحث في ظاهره يتمحور حول هل «يكون جزءاً من حكومة انتقالية أو لا يكون«، فيما البحث الجدي والفعلي يتمحور حول موعد وكيفية هزيمته في دمشق و»انتقاله» بعدها الى الشمال الروسي.. عفواً السوري!

وهذا في كل حال، لا يلغي حقيقة، ان نكبة سوريا هي أم النكبات، وان الابهام العام إزاءها هو جزء من العجز المخزي الذي سمح باستمرارها كل هذا الوقت، ثم في جعلها مسرحاً لطموحات «ولي فقيه» تارة، ولبطولات قيصر مزعوم تارة اخرى، عدا جعلها ميداناً لـ»إرهاب تكفيري» يلبّي حاجات التصنيع العسكري واستراتيجيات الفتك بالإسلام الأكثري! وأي نكبة؟!