الانتخابات النيابية: بدايات… ومراحل (16)
التلاعب بالانتخابات النيابية ونتائجها لا يحصل ولا يقتصر على يوم الاستحقاق وحسب بل يسبقه عبر عدة وسائل وأساليب ابرزها:
– تقسيم الدوائر الانتخابية: التي يتم تقطيعها وفقا لمصلحة من هم في موقع القرار او السلطة بحيث يتم التمييز بين الناخبين من جهةوبين المرشحين من جهة ثانية فلو أخذنا على سبيل المثال لا الحصر قانون 1960كان هناك دوائر انتخابية لنائبين (بنت جبيل بشري الكورة، البترون المنية- الضنية)، ودائرة بنائب واحد (صيدا ) ودوائر بثلاثة نواب (النبطية، صورالبقاع الغربي – راشيا، جبيلوزغرتا)، ودوائر بخمسة نواب وأخرى بأربعة وبعضها بسبعة وبعضها الآخر بثمانية.
وهنا لا بد من الإشارة الى ان في ذلك مخالفة لروح الدستور والميثاق الوطني الذي قام عليه لبنان ولروحية اتفاق الطائف التي تضمنتها مقدمة الدستور وإذا كان النظام الانتخابي في لبنان يقوم على مبدأ الهيئة الانتخابية الموحدة التي تعطي الحق لكل الناخبين بممارسة حقهم الديموقراطي والتي تترجم دستوريا بأن عضو مجلس النواب يمثل الأمة جمعاءفإن تقسيم الدوائر الانتخابية سيترك انعكاساته على نتائج الاقتراع حتى قبل اجراء الانتخابات.
وهكذا يبرز القانون الانتخابي في لبنان ليس كعامل مساواة بين اللبنانيين ولا لحماية صحة التمثيل بل كوسيلة ضغط لرسم ملامح النواب الجدد المطلوب وصولهم الى الندوة النيابية.
– التأمين الانتخابي الذي يعتبر مبلغا باهظا قياسا مع دخل الفرد في لبنان
إذ أنه منذ لحظة دعوة الهيئات الناخبة يبدأ التمييز بين اللبنانيين بحيث أن على كل مرشح ان يدفع تأمينا انتخابيا حدد بعد الطائف بعشرة ملايين ليرة لبنانية وخفض في انتخابات 2009 الى ثمانية ملايين ليرة واصبح في انتخابات 2022 30 مليون ليرة وهو ما يجعل فئات واسعة من اللبنانيين (محامون أطباء مهندسون حقوقيون صحافيون ونشطاء الخ…) يمتنعون عن الترشيح لأنهم عاجزون عن المغامرة بهكذا مبالغ مالية.
– الدعاية والاعلام والاعلان الانتخابي: المنافسة المتساوية تفترض توفير فرص متكافئة أمام جميع المرشحين والقوى والكتل والأحزاب في استخدام الاعلام واذا لم يتوافر لكل المرشحين من دون استثناء فرص متساوية في وسائل الاعلام الخاصة والرسمية بحيث يكون لكل منهم الحق في المعاملة المتساوية في مساحة إعلامية محددة تعطى لهم منعا للاحتكار والمحاباة عد ذلك تزويرا نظرا الى ما ينطوي عليه هذا الاخلال من ترجيح لفوز بعض المرشحين على غيرهم.
من الضمانات الجوهرية لجدوى الانتخابات ونزاهتها ان يكون من حق المرشحين ان يتم التعامل الإعلامي معهم بعدالة فتكون في التلفزيزنات والاذاعات مساحات إعلامية للمرشحين توزع عليهم بالتساوي ويفترض ان لا تكون الأجهزة الإعلامية كلها لانواع معينة من المرشحين دون آخرين. فالاعلام هو أقوى الأسلحة في المعارك الانتخابية ومن غير الجائز وضعه في ايدي مرشحين دون غيرهم وبهذا لا يعقل أن يستأثر المرشحون الذين يملكون محطات إذاعية وتلفزيونية بالحصة الكبرى فيطلقون من خلالها حملاتهم الدعائية والإعلامية ويبثون البرامج ويهاجمون خصومهم في حين لا يملك الخصوم وسيلة إعلامية للرد، وخصوصا إذا ما اطلق هؤلأ شائعات كاذبة لتشويه سمعتهم وصورتهم امام الناخبين قبل يوم او يومين من موعد الاقتراع بحيث لا يبقى لديهم متسع للرد. ففي لبنان الدعاية الانتخابية غير منظمة والحل لا يكون بمنع الدعاية في الاعلام المرئي والمسموع لكن المطلوب تنظيم هذه الدعاية بين المرشحين.
– ان حياد السلطة خلال الانتخابات أمر لا يمكن التغاضي عنه وعن أهميته في التأثير في المسار الانتخابي وبالتالي لا بد من تخلي وزارة الداخلية عن دورها في إدارة العملية الانتخابية وخصوصا إذا كان الوزير مرشحا كما هو الحال في العديد من البلدان الديموقراطية وحصر هذا الامر بالكامل بهيئة الاشراف على الانتخابات وان يكون دور الاجهزة الأمنية الحفاظ على أمن الانتخابات والاستقرار خلال عمليات الاقتراع.
– يمثل عنصر المال اهم أداة للتأثير في الناخبين ولحجز المقاعد المقاعد على اللوائح التي تبدو أسعارها خيالية أحيانا دون أي رقابة او أي سقف وقد اتينا عل أمثلة من ذلك في حلقات سابقة إضافة الى تصاعد عمليات الرشى وشراء الأصوات بلا حياء ولعل الأخطر هنا هو عدم رسم الحدود الفاصلة بين المال الخاص والمال العام.
– الى الرشوة المالية المباشرة يقابلها رشوة غير مباشرة تتمثل بلجؤ المسؤولين في مواقع السلطة الى توزيع الخدمات والمنافع والتقديمات التي تمنحها مؤسسات الدولة حيث يتم استغلالها وتوزيعها وفق اعتبارات انتخابية على بعض المحاسيب ناهيك عن افتتاح وتدشين ووضع أحجار الأساس لعدد من المشاريع والمؤسسات العامة وكأنها منة من هذا المسؤول او ذاك.