IMLebanon

إضراب قطاع النقل: تتفيه أدوات الضغط؟

 

 

يمرّ خبر الإضرابات «الدورية» لقطاع النقل البري على اللبنانيين مرور الكرام، من دون أدنى أثر في تعديل حركة تنقلاتهم على الطرقات المحتمل قطعها، في حال لم تُعلِّق الاتصالات السياسية «يوم الغضب»، كما جرت العادة في كثير من الأحيان.

 

اتحاد النقل البري دعا إلى تحرّكه الأول هذا العام، ضارباً موعداً مع «الغضب» ــــ حتى الساعة ــــ يوم غدٍ، بعدما أقفل بورصة العام الماضي على 7 دعوات، نفّذ أربعاً منها (9 و16 كانون الأول، 17 حزيران و7 نيسان)، وتراجع عن ثلاث (7 و11تموز و27 تشرين الأول).

منذ التسعينيات، يطلق قطاع النقل دعوات للإضراب تصاعدت وتيرتها مع بدء الأزمة الاقتصادية عام 2019. في الجوهر، لا تختلف المطالب في كل الإضرابات ما خلا تلك المتصلة مباشرة بالوضع الراهن. رغم ذلك، معاناة السائقين مستمرّة واستجابتهم للتحركات تنخفض، فيما يواصل الاتحاد باستنزاف الإضراب كأداة لتحقيق المطالب إلى أن أفرغها من قوّتها.

لا جدال في ضعف حال السائقين، ولا في أحقيّة مطالبهم. لكن اتحاد النقل لا يملّ من تكرار الفعل نفسه لسنوات بلا نتيجة. فكيف لعاقل أن يستعيد السلوك نفسه بالعقل نفسه، مراراً وتكراراً، وفي كل مرّة ينتظر نتائج مختلفة؟ هل يعلم القيّمون على اتحاد النقل، ومن خلفِهِ الاتحاد العمالي العام، أن الإعلام يتخطّى خبر إضراب قطاعٍ حيوي كالنقل، بينما يهتم أكثر بأحوال الطقس؟ اقتصار تحركات قطاع النقل على «الرمزية»، ليس إلا دليلاً على أن السائقين أنفسهم باتوا غير مؤمنين بجدوى هدر يومٍ كامل من العمل مقابل صفر مكاسب. هذا ما أكده عدد من سائقي السيارات العمومية لـ«الأخبار»، منتقدين طريقة المواجهة وضعف التنظيم والالتزام، علماً بأن بعض السائقين استسلموا للأمر الواقع بعدما خابت آمالهم بالتغيير. جميعهم يتبنّون بنود آلية دعم القطاع التي من شأنها تحسين أوضاعهم، من دون أن يعني ذلك حكماً مشاركتهم في تحرّك يوم غد الخميس.

تحرّك الغد مخصص للردّ على عدم التزام رئيس الحكومة ووزرائه بوعودهم بالبدء بتنفيذ البنود في الأول من الشهر المنصرم. فالاتفاق المبرم بين رئيس الاتحاد بسام طليس ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزراء الداخلية والأشغال العامة والمالية يتضمن أربعة بنود:

ــــ البدء بتنفيذ دعم القطاع اعتباراً من 1/12/2021، وفقاً للمشروع المقدّم من الاتحادات والنقابات، مرفقاً بالآلية التي وضعها وزير الأشغال العامة والنقل علي حميّة، على أن يتم تغطيته من قرض البنك الدولي المخصص للنقل في لبنان بقيمة 55 مليون دولار.

ــــ البدء بتسجيل السائقين العموميين للاستفادة من البطاقة التمويلية.

ــــ البدء الفوري وخلال 48 ساعة من موعد الاجتماع في 26 تشرين الأول، بتطبيق القانون وقمع التعدّيات على القطاع من الشركات الوهمية والسيارات المزورة والخصوصية.

ــــ إعداد مشروع قانون لإعفاء المركبات العمومية من رسوم الميكانيك والمعاينة الميكانيكية.

 

اتّحاد النقل البرّي لا يملّ من تكرار الفعل نفسه لسنوات بلا نتيجة

 

 

في الواقع، يعيش سائقو قطاع النقل أصعب مراحلهم، ولا سيما بعد رفع الدعم عن المحروقات وبلوغ سعر الصفيحة 375 ألف ليرة، وصولاً إلى إصدار جدول تركيب أسعار يومياً لتحديد ثمن الصفيحة انسجاماً مع سعر صرف الدولار في السوق الموازية. هذه التطورات تأتي وسط غياب أي نية لدى المنظومة السياسية لحل أزمة النقل العام عبر إقرار خطّة النقل الموضوعة منذ عام 2011، وللمفارقة على أيام حكومة الرئيس ميقاتي نفسه.

إزاء هذا المشهد المنذر بالأسوأ، يرى الخبير النقابي الدولي غسان صليبي، أن «البقاء في دائرة الغضب، كما هي الحال اليوم، يستنزف طاقة البشر، ولا يثمر. فمنذ بدء مرحلة العمل النقابي، انتهينا من مرحلة الغضب، وانتقلنا إلى التنظيم والمواجهة المخطط لها، بوجه الخصم الذي بيده القرار للضغط عليه»، معتبراً أن «تخلّي الدولة عن الشريحة التي يمثّلها السائقون، ليس السبب الوحيد وراء فشل تحقيق المطالب، إنما غياب التخطيط وتفادي مواجهة السلطة بالذهاب إلى حيث هم ما يستدعي التمييز بين العاملين والقيّمين على القطاع».

في المقابل، ينسجم سلوك طليس مع سلوك قوى السلطة بدلاً من سلوك نقابي يخطّط ويدرس لمواجهة معها. فهو يعتبر أن سلوكه محكوم بـ«التصرّف بحدّ أقصى من المسؤولية»، مبرراً الاكتفاء بتحركات شبه رمزية بأنه «احترام» للاتفاق. يثير هذا الموقف الارتباك بين أن يكون طليس نقابياً يمثّل هذه الشريحة ويسعى لتحقيق مطالبها، وبين أن يكون قائداً لها معيناً من قوى السلطة. ففي الواقع، ليس هناك دليل على أن اتحادات النقل، سواء المنضوية في الاتحاد العمالي العام أو خارجه، ترى نفسها معنيّة بالضغط من أجل خطة للنقل العام، لا بل إن تمثيلها للنقل الخاص المشترك لم يثمر أي نتيجة منذ عقود.