تخطف المشهدية الشعبية في وسط بيروت اليوم نجومية الأضواء وربما تحجب جوانب طارئة في الصراع السياسي الذي اقتحمت الحركة الاحتجاجية الصاعدة قواعد الاشتباك التقليدي التي تحكمه منذ عقد. على إيقاع الارتباك السياسي الذي يطبع العودة الثالثة لحوار حظيت مقاطعة الدكتور سمير جعجع بقصب مخالفته متمايزاً تكراراً عن حلفائه، وعلى وجاهة العوامل المنطقية التي نجح زعيم “القوات” في تبرير مقاطعته لحوار ساحة النجمة، ثمة ما يتجاوز هذه المرة عامل “مضيعة الوقت” الذي ألصقه جعجع عن حق بالحوار. ولكن صوابية هذا التوصيف لا تسقط الأثر السلبي لاحتمال حضور أفرقاء ١٤ آذار الآخرين الى الحوار على قاعدة تمرير جولة “تضييع وقت” فيما لا يبدو اطلاقاً ان خصومهم يزمعون تفويت فرصة توظيف المناخ الاحتجاجي لتبديل الاولويات أو مقايضتها في معركة الرئاسة.
لم يكن امراً عابراً وسط عمليات التعبئة الشعبية التي تسابقت أخيراً أن نعاين ملامح تعبئة كثيفة لدى “حزب الله” واكبت وأعقبت تظاهرة “التيار الوطني الحر” رافعة عنوان أحقية العماد عون برئاسة الجمهورية. لم يبق نائب ولا مسؤول في الحزب إلا وردد لازمة “الماروني الأول”. لماذا يحتاج العماد عون بعد تظاهرة كبيرة لتياره الى هذا الفائض الزائد من اندفاع حليفه لتزكية قاعدة “عون أو لا رئيس”؟ وهل صحيح أن ٨ آذار توحدت فجأة وجذبت الرئيس بري مجدداً الى الاصطفاف وراء معادلة تقوم في خلفيتها على افتراض انهيار ١٤ آذار وتوظيف الاحتجاجات لقلب الاولويات فيغدو قانون الانتخاب النسبي اولاً وإجراء انتخابات على اساسه مدخل الحل وإلا التسليم بعون رئيسا؟ وهل في هذا السياق افادت مقاطعة جعجع تحصين حلفائه أم أثارت مفعولاً عكسياً؟
أياً تكن الاجوبة حول هذه المناخات التشكيكية المبررة تماماً قبيل ساعات من اطلاق صفارة الحوار لا نرى ضيراً من التذكير بالقاعدة التاريخية التي تقول إن طريق جهنم مفروشة بالنيات الحسنة. وتبعاً لذلك سيتعين على قوى ١٤ آذار أن تدرك أنها أمام أحد أسوأ الأفخاخ التي قد تتربص بها أن نجح خصومها في إيهام الرأي العام الاحتجاجي المحتشد خارج أسوار ساحة النجمة بأنها هي المسؤولة عن تفويت فرصة تلبية مطلب إجراء الانتخابات النيابية على قاعدة النسبية قبل الانتخابات الرئاسية حتى لو كان مبرراً بالكامل رفض انقلاب ناعم على دستور الطائف برفض مقايضة من هذا النوع أو الرضوخ لمرشح فريق ٨ آذار. فالامر لن يبقى هنا مبارزة بالوقت الضائع وربما يكون الوقت الفائض المتراكم بفعل الفراغ والتعطيل هو كل المسألة وصلب الصراع في محاولات حسمه وتوظيفه على وقع تحرك ثائر لا ينجو من تداعياته اي فريق سياسي على هذه الضفة الآذارية أو تلك.