قمة البؤس أن تنتهي قمة اللاجئين والنازحين بمجرد إعلان نيات في نيويورك، قد لا يُنقذ خمسة في المئة من 65 مليون إنسان، هُجِّروا من أوطانهم أو منازلهم، وبينهم 24 مليون لاجئ.
هؤلاء هم ضحايا الاستبداد وحروب إبادة يفرّون منها بقوارب الموت، ويطاردهم الإرهاب وعصابات تهريب البشر والإتجار بهم.
ومع انهيار الهدنة في سورية، سيزداد القتل والتهجير القسري، والنزوح، ويُتم الأطفال الذين ارتُكِبت في حقّهم أبشع جرائم يعرفها البشر… هؤلاء الذين لم يميّز النظام في دمشق ولا قاذفات الروس، بينهم وبين الجماعات «الإرهابية»، سيبقون عاراً لإدارة الرئيس باراك أوباما وهو يودّع قادة العالم من على منبر الأمم المتحدة، بكلام طنّان عن مطاردة «داعش» والإرهاب، وجبن الإرهابيين.
…لكن عينه لن تنام قبل تحرير الموصل من أنياب «داعش». هذا ما قاله فيما كانت «الأشباح» تطارد قافلة إغاثة للسوريين المنكوبين بالحصار الإرهابي.
التنكيل بأطفال سورية سيبقى عاراً لا يُمحى على نظام عالمي جديد، يريده قيصر الكرملين على مقاس طموحات إمبراطورية، هي إمبريالية روسية من طراز معولم… فحيث يتراجع الخصم وينكفئ، تصبح الساحات والأوطان ملاعب شاسعة لاختبار الأسلحة الجديدة، وتدمير المدن والجيوش، تمهيداً لعقود الإعمار والتسليح والتدريب، وزرع القواعد العسكرية بين البحار والمحيطات، وتنصيب الحلفاء المخلصين، ورعايتهم بمظلة الحماية.
قبل سنوات، كان السوريون وأطفالهم ضحايا الاستبداد، ثم باتوا أعداء لحلفائه الذين مدّدوا عمر المجازر، ثم أصبحوا مجرّد أرقام، على هامش «المعركة ضد الإرهاب».
عليهم، اتفق الروس والأميركيون، فتحت سقف تلك المعركة تُبرّر موسكو للنظام كل ما يرتكب، لكن السؤال بعد قتل الهدنة، هو مَنْ الذي اغتالها ولأي هدف؟ قبل سقوطها الذي مهّد له الكرملين بإطلاق يد النظام السوري لأنه «وحده التزم وقف النار»(!) ظن الرئيس فلاديمير بوتين أنه يحشر أوباما في زاوية فضيحة تعهُّد إدارته عدم استهداف قوات النظام، قبل بدء التحالف غاراته. الرئيس الذي لا ينام لأن «داعش» يخطف الموصل، «صُعِقت» إدارته بقصف قافلة إغاثة قرب حلب. دمشق نعت الهدنة بعد التقاطها الرسالة الروسية، وإن كان النظام المستفيد الأول من طيّ صفحة الاتفاق الروسي- الأميركي، إذ يبدّد هواجس وريبة من مرحلة ما بعد الهدنة، فموسكو ستجد ذريعة جديدة لمتابعة مشروع تصفية كل الفصائل المعارِضة المقاتلة.
يظن أوباما أن ما يرتكبه الروس في تأمين مظلة الحماية لنظام يواصل حرب إبادة، سيبرّئه من وصمة التردُّد والعجز اللذين تجاوزا خطوط الفضيحة، منذ جولات وجولات من استخدام النظام أو أنصاره الغازات السامة. وإذا كان الغزو الأميركي للعراق، والذي سهّل ولادة «داعش» لاحقاً، أم الفضائح في تاريخ الديموقراطية الأميركية ودفاعها عن حقوق الإنسان، فإن نقيضه، أي التفرُّج على كوارث سورية، لا يبرّئ الديموقراطيين ولا الجمهوريين في الولايات المتحدة من عمى مريب، ربما نجم عن فيروس الاستسلام للوبي الصهيوني.
أوباما يودّع قادة العالم، قريباً يغادر البيت الأبيض… وهو ودّع العرب بأكبر صفقة تضمن أمن إسرائيل، ربما خوفاً على مصيرها من أطفال سورية وفلسطين. فالاحتلال ربيب الاستبداد، تعايشا لعقود بسلام، كل منهما يتاجر بالآخر شعاراً ليطيل عمره… المعركة قومية ضد الاحتلال، اركَع للنظام ليقاوم، والمعركة مصيرية لإسرائيل في محيط معادٍ لـ «ديموقراطيتها».
سقط أوباما وبوتين في لعبة الفخ المتبادل في سورية، كلاهما راهن على الوقت. أُبيدت آلاف أخرى من البشر الذين يتفرّج العالم على مآسيهم، كأنهم مجرد فيلم «مزعج».
أوروبا تتخبّط بأزمة هويتها، بات المهجّرون واللاجئون على مقصلة يمينيتها. أميركا تتفرّج على المذبحة الكبرى في سورية، وروسيا مازالت تجد هامشاً زمنياً واسعاً للمناورة.