IMLebanon

محاصرة عون ستزداد والبعض يحاول دك اسفين بينه وبين حزب الله

بيان تيار المستقبل لم يضف شيئاً على البيانات المتكررة ما خلا مسألتين يمكن منهما التقاط رؤى جديدة، النقطة الأولى أنّ البيان لم يعد يذكر في مقدّمته تلك المسلّمة والثابتة المبيحة بصراحة على أن سليمان فرنجيّة مرشحهم، والنقطة الثانية أيّد مضمون بيان المطارنة الموارنة برئاسة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي وبخاصّة ما تضمّن من مواصفات حدّدها لرئيس الجمهوريّة، والمواصفات بدورها تحتاج الى مزيد من النقاش والتقييم وفقًا للمادة 49 من الدستور وقد تمّ تقييمها خلال مقال لنا في الديار أظهرنا فيه صفة الميثاقيّة لا الحكم، صفة الحاكم الميثاقيّ العادل لكونه ساهراً على تطبيق الدستور وتصليب الميثاق وتجذيره ووحدة البلاد وسلامة أراضيها، ولا أحد يعرف لمَ إصرار بيان المطارنة على هذه المواصفات عيناً.

لم يأت البيان بشيء جديد، وقد أشارت معلومات، الى ان المناخ الذي ساد مساء الأربعاء كان قد اتجه إلى دعم الرئيس سعد الحريري وكتلة المستقبل لترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهوريّة، وقد تراوحت الأمور بين ترشيح متكامل أو ترشيح جزئيّ أي على جرعات، سرعان ما تبدّد ذلك في الساعة الأولى من فجر الخميس الواقع فيه 6-10-2016، وتغيّرت المعطيات بصورة تدريجيّة. وتقول بعض المعطيات المتوافرة انّ الأمور متروكة لمزيد من المشاورات، ويتكامل تيار المستقبل مع الرئيس نبيه برّي في عدم السرعة وليس التسرّع بتأييد ترشيح عون، لريثما يقدّم المزيد من التنازلات المطلوبة منه كما حصل البارحة في مجلس الوزراء بحسب ما ظنّت مصادر قريبة من الطرفين. وممّا يبدو أنّ ثمّة من يحاول الالتفاف على مبادرة الرئيس سعد الحريري المرحّب بها بإجهاضها أو بأدنى الحالات بامتصاصها، ضمن مجموعة رهانات معقودة على ما يمكن أن تنتجه الانتخابات الرئاسيّة في الولايات الأميركيّة المتحدة، وتقول بعض الأوساط في هذا المجال انّ الرئيسين برّي والسنيورة متفقان على هذه المسألة، وثمّة إشارة أخرى تعتبر أنّ الأميركيين في المدى اللبنانيّ المنظور غير متحمّسين لتلك الانتخابات قبل انتهاء انتخاباتهم الرئاسيّة، ولبنان كما سوريا والمشرق العربيّ بالأزمات والعواصف العاتية سيبقون معلقين على صلبان الصراع الدائر، وجزء منه مستجدّ بين الأميركيين والروس حتى نضوج تسوية جديدة منها ما هو سياسيّ ومنها ما هو جغرافي ومنها ما هو أمنيّ والأساس أنّ منها ما هو دستوريّ خاصّ بتلك البلدان.

مصدر دبلوماسيّ رفيع المستوى، أشار في مجلس خاصّ الى أنّه لا يرى على الإطلاق إمكانية ملموسة لتسييل الرؤى في مسرى الانتخابات وتسهيل إتمامها ضمن الروزنامة المتفق عليها على الرغم من محاولة بعضهم الإيحاء بانّ الرئيسين عون والحريري متفقان على كلّ شيء. وبرأيه أنّ ثمّة تسرّعاً واضحاً عن معظم الفرقاء والمحللين السياسيين في تبرير الإيحاء وإعطائه الحوافز الممكنة على الرغم من أنّ تسويغه صحيح ولبننته حاجة للجميع، وتبقى اللبننة أفضل من البلوغ نحو الدولنة والعربنة والأقلمة في تشابك قائم على مصالح مشتركة للدول تأتي برئيس يمثّلها ضمن تسوية تملى على الجميع. فالديناميّة الشخصيّة بحسب المصدر الدبلوماسيّ وإن توافرت بخجل لكنّها لا تحجب عدم وجودها في المضمون السياسيّ المحليّ الداخليّ والمرتبط بآفاق الصراع في سوريا وما يحيط به من أجواء ملبدة على كافّة الأصعدة.

ويعتقد المصدر الدبلوماسيّ الرفيع المستوى بأنّ العملية الانتخابيّة محاطة بثلاث طبقات:

1-الطبقة الأولى محليّة – دستوريّة، فعلى الرغم من أن الجميع سلّموا بالدستور واتفاق الطائف كسبيل لإتمام الانتخاب إلاّ أن ثمّة مصطلحات غير واضحة في تفسير فريق سياسيّ كبير تعنيه تلك الانتخابات. وقد كان هذا الأمر موضع نقاش وسجال بين السياسيين في الآونة الأخيرة، وهو سيرتبط حتمًا بصلب العلاقة بين رئيسيّ الجمهوريّة والحكومة، ويذكر المصدر إيّاه بأنّ هذه المسألة نحت بالعلاقة خلال عهد الرئيس إميل لحود إلى أجواء متوتّرة بينه وبين الرئيس رفيق الحريري رحمه الله، فهل يمكن للعماد عون أن يتلاقى مع الرئيس الحريري على مواصفات جديدة للحكم تؤدّي إلى الاستقرار الدستوريّ فيتأمّن بهذا الاستقرار عينًا استقرار مؤسساتيّ ناضج ومرن ومتحرّر من ربقة الفساد؟ ويكمل المصدر قائلاً لا يفهم هذا الكلام بأنّ ثمة رغبة للتدخّل، ولكنّني أوصّف وأقدّر الأمور، مع تمنياتي للبنانيين بتذليل الصعوبات وتأمين النجاح لهذا الاستحقاق، ولهم أن ينتخبوا من يريدون للرئاسة.

2-الطبقة الثانية محليّة وكنّها قائمة على مجموعة مصالح ومطامع ومطامح، ويعتقد المصدر الدبلوماسيّ الأجنبيّ والرفيع المستوى بأن دينامية تشكيل الحكومة ستتجمّد في شكلانيّة توحي بأنّ ثمّة وزارات تعتبر اساسيّة لفريق كما لفريق آخر. وما يبدو في الآفاق بانّ الأفرقاء متشبثون بالحفاط على تلك المواقع بالضرورة لكونها تشكل ضمانة في الاستمرار وديمومة في الاستثمار، والخطر أن يتسربل الاستثمار وشاح الطائفيّة والمذهبيّة ممّا يؤكّد الصراع وقد يجعله على أشدّه، ويجب ان يتنبّه الأفرقاء إلى هذه المسألة ويعالجوها بحوار رصين وفقاً للدستور.

3-الطبقة الثالثة محليّة متصلة بالمضمون السياسيّ المأخوذ إلى سوريا والمنطقة. ويعتبر المصدر الدبلوماسيّ، أنّ البيان الوزاريّ في لبنان، سيكون مسرحًا لتحد كبير وخطر مضمونه عدم التكلّس في آفاق الصراع وإظهار ديناميات جديدة في مقاربة الصراع في سوريا من باب النقد للقوى اللاعبة والمتصارعة وبخاصّة لموقع الإرهاب التكفيريّ كحالة وجوديّة تحاول ترسيخ نفسها بقوّة السيف ومنطق عقيديّ يعيد الإسلام والناس إلى جاهلية مغلقة. ويرى هذا المصدر أن لا أحد حتى الآن لديه الجرأة بمقاربة الصراع من باب متجرّد وعقلانيّ فمعظم الأفرقاء متورطون، وتورطهم لا يمكن أن يصرف في لبنان بتسهيل الانتخابات وتشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة الرئيس سعد الحريري. فسلاح المقاومة بات فوق التقييم والتقرير، ولا احد قادر على أن يرغم السيّد حسن نصرالله بالعودة إلى لبنان، والحريري متصلّب من موقفه العدائيّ من الرئيس بشار الأسد ومن سلاح حزب الله وقد أظهر ذلك امام وزير خارجيّة روسيا سيرغي لافروف الذي أجاب بأنه متباين مع الحريري في تقييمه لموقع الرئيس السوري ونظامه، ودور سلاح حزب الله في قتال القوى التكفيريّة. وأشار هذا المصدر الى أنّ إشارة الحريري في محفل دوليّ كهذا من شأنها أن تعثّر ميكانيزم الانتخابات الرئاسيّة إذا رام الجميع إلى سلّة متكاملة وليست متجزّئة بالمضمون السياسيّ الواسع والكبير.

وفي سؤال وجّه إلى المصدر حول ما إذا كان قد تأمّن وعاء دوليّ وإقليميّ عربيّ لانتخاب العماد عون اجاب بانّ هذا الوعاء غير متأمّن بعد بسبب ظروف كثيرة منها الصراع المستجّد بين روسيا وأميركا على خلفية الواقع العسكريّ في حلب، وفي الوقت عينه لم نلمس توافقات مرحلية وجزئية بين السعوديين والإيرانيين حول تلك المسألة بالذات، بل إن الأمور تزداد سوءا، واللقاء بين السفراء في لبنان لم يفض إلى شيء ملموس، واكد المصدر الديبلوماسي ان روسيا باركت المساعي التي يبذلها الرئيس سعد الحريري، وهي في الوقت عينه تراها مفيدة وجديّة وقابلة للنقاش، فإذا اتفق اللبنانيون على انتخاب عون فهذا مبارك لكون عون وبحسب رأيه يتمتّع بعلاقة جيدة وطيبة مع روسيا.

في النهاية تبدّل المناخات واستناداً إلى كلام المصدر المشار إليه يبدو بأنّ واقع الانتخابات الرئاسيّة لم ينضج في ظل إصرار الأفرقاء على عدم مجاراة العماد عون وبخاصّة في ما سلّفه من تنازلات وبخاصّة في مجلس الوزراء امس. بل على العكس محاصرة العماد عون ستزداد، وسيحاول بعضهم تصوير بأنّ حزب الله قد تخلّى عنه وهو يؤيّد الرئيس نبيه برّي في مطالبه، لكن في حقيقة الأمر، وكما أعلن مصدر كبير في حزب الله أنّ الحزب متمسك بالعماد ميشال عون أكثر من أي وقت مضى، ويؤكّد ما كتب في جريدة الديار مؤخّرًا بأن التيار الوطنيّ الحرّ وحزب الله، والعماد ميشال عون والسيد حسن نصرالله ذات واحدة وهي غير متمزّقة. وسيكون وبحسب هذا المصدر للحزب مسعى سيؤدّي حتمًا إلى تدوير الزوايا بين العماد عون والرئيس نبيه برّي، والمسعى الذي يقوده اللواء عباس إبراهيم يلقى دعمًا كبيرًا من حزب الله.

تبقى ملاحظة أخيرة بان زيارة الوزير علي حسن خليل إلى البطريرك الراعي حملت الكثير من الإيجابيات. لكنّ حسن النيّة عند جميع الأفرقاء أن يتفقوا على إنهاء مرحلة الفراغ وينتخبوا العماد ميشال عون رئيسًا وإلاّ فلبنان قادم على محطة جديدة. انتخاب العماد عون معطى سياسيّ جديد، وعدم انتخابه سيقود إلى معطى لعلّه الأسوأ في تاريخ لبنان الحديث.