حيث أراد الرئيس نبيه بري ان «يكحلها»، بربط الحل للأزمة «بالسلة المتكاملة» فقد وفر لعديدين فرصة العودة الى نقطة الصفر مع اتفاق الطائف، انطلاقاً من مسألة «حل الميليشيات وتسليم السلاح للدولة اللبنانية..» في اشارة واضحة لسلاح «حزب اللهش، والذي بات ينتظر أفرقاء معنيين اداة ضغط داخلية واقليمية ومادة للاستقواء على الاخرين وضعته في تصنيف «الدولة ضمن الدولة..» او «الدولة الأقوى من الدولة..».
في أواخر عهده ارتأى الرئيس السابق العماد ميشال سليمان، ان يجد مخرجاً لهذه المسألة ووضع نهاية لمسألة تجاوزت برأيه حدود المقبول، فكان «اعلان بعبدا» الذي وفر أرضية تحصر قرارات السلم والحرب بالدولة اللبنانية، دون سواها.. لكن هذا «الاعلان» «دفن من قبل ان يولد» على ما جاء في مواقف قيادات «حزب الله» فكان ردّ سليمان على ذلك بأن وصف «معادلة الشعب والجيش والمقاومة» التي يتمسك بها الحزب ويعتبرها «معادلة ذهبية» وغطاء شرعياً ووطنياً ثاقباً لبقائه كمقاومة مسلحة، بأنها «معادلة خشبية»، الأمر الذي أدى الى توتر في العلاقات وقطيعة بين الرئيس سليمان والحزب، لازالت سارية المفعول حتى اللحظة..
ليس من شك في ان العودة الى «مبدئيات الطائف»، الذي طبق انتقائياً ومنقوصاً واستحضار بند «مجلس الشيوخ «من الجوارير التي أكلها الصدأ والهريان، كجزء من الحلول للخروج من الأزمة اللبنانية المتعددة العناوين، لم يكن عبثيا ولا «فوشة كيف»، بل جاء في سياق البحث عن مخرج لأزمة قانون الانتخابات النيابية، التي لا تقل خطورة عن أزمة الشغور المتمادي في رئاسة الجمهورية والتي عكست تداعياتها السلبية على سائر المؤسسات، من مجلس النواب الممدد له، الى الحكومة التي وصفها رئيسها تمام سلام بأنها «الاكثر فشلاً» بين الحكومات..
منذ البداية، ظهر الى العلن بند قانون الانتخابات النيابية، الذي راعى فيه اتفاق الطائف ما حصل في لبنان من حروب داخلية على خلفيات طائفية، فدعا الى مجلس نيابي على أساس وطني لا طائفي ولا مذهبي ويقوم على النسبية من غير القفز فوق التركيبة اللبنانية (الصيغة) التي تقوم على التوزعات الطائفية، فكانت النتيجة الدعوة الى إنشاء مجلس شيوخ يمثل الطوائف اللبنانية بعد اجراء الانتخابات النيابية على أساس وطني لا طائفي.. لكن ذلك لم يحصل، فكان ان طبق الطائف استنسابياً وجرى تعليق سائر البنود، الى ان استفاق بعض الافرقاء على طاولة الحوار على ذلك لاسناد دعوتهم لقانون انتخابات على اساس وطني لا طائفي.. فعادت الدعوة الى «مجلس الشيوخ» لتبصر النور من جديد ويستفيق البعض من غفلة أكثر من ثلاثة عقود من الزمن..
لم تفلح «طاولة الحوار»، التي ضربت رقماً قياسياً في «المماطلة»، في تحقيق أي تقدم يذكر على خط انجاز المطلوب منها، وفق الأولويات التي كان وضعها «راعي الحوار» الرئيس نبيه بري، وتبدأ برئاسة الجمهورية ثم تفعيل مجلس النواب والحكومة.. على رغم تراكم سلبيات الشغور والتعطيل.. وتفاوتت المواقف من «السلة المتكاملة» (مجتمعة او بالمفرق) حيث تمسك كل فريق بخياراته ومواقفه وأولوياته.. الأمر الذي أوصل «الحوار» الى مأزق حقيقي، بات من الصعب، بل من المستحيل العبور به الى النتائج التي كان يتطلع اليها الرئيس بري ويسوقها مع «الحلفاء» كما مع «الخصوم» في الداخل كما في الخارج.
خرج الرئيس بري عن صمته أمام زواره.. ولم تكن جلسة انتخاب الرئيس التي تحمل الرقم 43 سوى دليل على ان «لا أحد يعطي مجاناً..» وفي قناعته «ان السلة المتكاملة» التي استحضرت بعض «البنود الاصلاحية في الطائف» وحدها طريق العبور الى الحل النهائي.. ومن يرفض النقاش في ذلك بحجة ان الأولوية يجب ان تكون لانتخاب رئيس الجمهورية، إنما هو الذي يؤخر عملياً انتخاب الرئيس..» فالرئيس بري، كما سائر القيادات السياسية الموزعين على سائر الافرقاء، يدركون استحالة انتخاب رئيس بمعزل عن حل سائر الاشكاليات المتعلقة بالانتظام العام.. ومنها مسألة قانون الانتخاب حيث مضى أكثر من سنتين ونصف واللجان النيابية المختصة تدور في حلقة مفرغة، وحيث تفشل تحيلها على طاولة الحوار التي حققت بدورها رقماً قياسياً في اضاعة الوقت.
يأخذ بري على البعض «مكابرته»، وتجاهله تعذر الاتفاق على رئيس من دون التفاهم على مرحلة ما بعد انجاز الاستحقاق الرئاسي، مستعينا بتجربته مع الرئيس سليمان بعد مؤتمر الدوحة.. وهو يؤكد أمام زواره اننا أمام «شبكة متداخلة من المطالب والمصالح، موزعة بين رئاسة الجمهورية، ورئاسة الحكومة، وحجم التمثيل في الحكومة المقبلة..» ولا يمكن الخروج منها «بالقطعة»، بل لا بد من «تسوية شاملة».
سريعاً تلقف البعض «التسوية الشاملة» مقرونة بالعودة الى نقطة البداية مع «الطائف» باثارة مسألتي «السلاح غير الشرعي» لدى «حزب الله» ووجوب تسليمه الى الدولة اللبنانية، و»قرارات الحرب والسلم والنأي بلبنان عما يجري في الخارج».
سيجد الرئيس بري نفسه في موضع حرج للغاية، وهو «يغرد خارج السرب».. ويعرف ان اثارة هاتين المسألتين بالتلازم مع الدعوة لقانون انتخاب على أساس وطني لا طائفي، يعتمد النسبية، وانتخاب مجلس الشيوخ على أساس طائفي، ليست بريئة، تحديداً في هذا التوقيت بالذات، الأمر الذي يضع الحوار في دائرة مراوحة لا تنتهي تعزز مقولة البعض «بلا جدوى الاستمرار به»؟!