فوضى قطاع السفر تُخلّف ضحايا موسميّين لمكاتب السفر غير المرخصة التي باتت تناهز الـ 700. نقابة أصحاب المكاتب تحمّل المسؤولية لوزارة السياحة، فيما يؤكد عاملون في القطاع أن «دود الخل منّو وفيه»، وأن «تطنيش» النقابة يزيد من الفوضى
أواخر آب 2019، أُوقف صاحب شركة «نيو بلازا تورز» فواز فواز على خلفية قيامه بأعمال نصب واحتيال راح ضحيتها نحو 500 مُسافر «احتُجزوا» في تركيا بعدما تبين أن الحجوزات التي تمت عبر شركته كانت وهمية.
أمِل كثيرون، يومها، أن يكون التوقيف «عبرة» لقطاع السفر الذي أدت الفوضى المستفحلة فيه إلى «تفريخ» أكثر من 300 مكتب سفريات «غير شرعي»، لا يحمل أي منها رخصة من وزارة السياحة لممارسة مهامه، بحسب رئيس نقابة أصحاب مكاتب السفر جان عبود. إلا أنّ الفوضى تفاقمت في العامين الماضيين حتى بات عدد المكاتب غير المرخصة يقارب الـ700 بحسب تقديرات النقابة.
قبل نحو أسبوع، تناقلت مواقع التواصل الإجتماعي أن 25 عائلة لبنانية مقيمة في أفريقيا تعرضت لعملية نصب قام بها مكتب «ولاء ترافل» للسفريات في صيدا، بعدما اكتشف هؤلاء أن الحجوزات التي تقاضت صاحبة المكتب ر. ش. ثمنها لعودتهم إلى بلدان اغترابهم كانت وهمية، ما أدى إلى احتجازهم في المطار. وقبل أيام، علق مئات من اللبنانيين كانوا في طريقهم إلى العراق في المطار ولم يتمكنوا من السفر رغم أنهم دفعوا ثمن التذاكر ما أدى إلى اتهام «مكتب السبيل» الذي حجزوا عبره بـ «النصب».
بمعزل عن تفاصيل الحادثتين، إلا أنهما تعيدان إلى الضوء قضية «الضحايا الموسميين» لمكاتب السفريات، في ظل غياب شبه كلي لنقابة أصحاب المكاتب ووزارة السياحة.
ممثل اتحاد وكالات السياحة والسفر زياد العجوز أقرّ لـ«الأخبار» بأن قطاع السفر في لبنان بات بمثابة «منصة سهلة للنصب والاحتيال»، لافتاً إلى عوامل أدت إلى الفوضى، أبرزها غضّ النظر عن قيام موظفين سابقين في وكالات سفر كبيرة بتركها والعمل لحسابهم الخاص من منازلهم من دون أي رقابة. أضف إلى ذلك، ثمة مكاتب غير حائزة على ترخيص من وزارة السياحة ولا تملك سجلات تجارية تلجأ للتواصل مع شركات سفر كبيرة للاستفادة من قدرة هذه الشركات على الوصول إلى شركات التوزيع العالمي (GDS) لتتمكن من حجز التذاكر (عبر إنشاء USER في نظام الـGDS)، «وهكذا تعمّ الفوضى».
لدى النقابة إمكانية تقنية لوقف عمل المكاتب غير الشرعية
إلا أن مصادر عاملة في هذا المجال تلفت إلى ما أسمته «التآمر على القطاع من القيّمين على القطاع نفسه»، وتتهم نقابة مكاتب السفر بـ«التطنيش» عن نشاطات المكاتب غير المُسجلة «بسبب محسوبيات ومصالح متبادلة». وتذكّر المصادر نفسها بشركة «نيو بلازا» التي «ما كان عملها ليستمر لولا غض نظر النقابة عن أعمالها المشبوهة».
أمين سر النقابة ريمون وهبي يرد بأن «النقابة ليست عسكراً ولا صلاحية لديها لتوقيف المكاتب غير المرخصة. المسؤولية، أولاً وأخيراً، تقع على عاتق وزارة السياحة التي عليها أن تلتفت إلى قطاع السفر الذي يعدّ ميزان السياحة في أي بلد». وأوضح أن «النقابة تُصدر يومياً تعاميم وتنبيهات للراغبين بالسفر بعدم الوقوع في فخ المكاتب غير الشرعية. لكنّ الناس يميلون إلى العروضات المغرية بهدف التوفير». ويُقرّ بأن القطاع بات باباً للنصب «وتغذّي هذا الواقع المافيات المستفيدة تماماً كما يحصل في أي قطاع آخر. صاحبة مكتب ولاء ترافل، مثلاً، لديها سجل واسع من الأعمال غير الشرعية لكن أحداً لم يحاسبها. هذا التراخي زاد الفوضى». وسأل: «لماذا لم يُوقف صاحب المكتب الذي تسبب باحتجاز المئات في المطار؟»، مشدداً على أن الأمر «يتطلّب قراراً حازماً من وزارة السياحة وبقية المعنيين». لكن بعض أصحاب مكاتب السفر يلفتون إلى أن «في إمكان النقابة، بأضعف الإيمان، التواصل مع شركات الـGDS لضبط مخالفات مكاتب السفر غير المرخصة». إذ إن المادة 22 من المرسوم رقم 4216 تحظر التعامل مع وكالات سفر غير مرخصة نظراً للمنافسة غير الشريفة التي «تدفع ثمنها الوكالات المرخصة».
وزير السياحة وليد نصار، من جهته، قال لـ«الأخبار» إن فوضى مكاتب السفر موضوع على جدول أعماله ويوليه «أهمية قصوى ستترجم في إجراءات عملية مطلع الأسبوع المُقبل، على أن يُعاد النظر في هيكلية المؤسسات العاملة في قطاع السفر والسياحة وهو ما سيحتاج بعضاً من الوقت»