IMLebanon

اعتماد صيغة المراسيم الجوّالة يُشكِّل مخالفة صارخة للدستور

 

 

 

في الأعوام 1986 و1988 انفجر الخلاف بين الرئيس أمين الجميل ورئيس الحكومة رشيد كرامي وعدد من الوزراء بعد رفض الجميل الموافقة على الاتفاق الثلاثي بين كل من حركة أمل والحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية بزعامة إيلي حبيقة، وحصلت قطيعة حكومية استمرت بعد اغتيال الرئيس رشيد كرامي وتولي الرئيس سليم الحص مهام رئاسة الحكومة حتى نهاية عهد الجميل. وخلال هذه الفترة كانت الأمانة العامة لرئاسة الحكومة تعدّ المراسيم المطلوبة بالاتفاق بين الرئيسين الجميل وكرامي ولاحقاً الحص، ويقوم درّاج تابع لقوى الأمن الداخلي بالتجول على الوزراء المختصين وأخذ تواقيعهم ومن ثم توقيع رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية ومن ثم يصار إلى نشر المرسوم في الجريدة الرسمية، والاستعاضة عن القول «إنّ المرسوم نال موافقة مجلس الوزراء بتاريخ معيّن» بالعبارات التالية «وبما أنه يتعذر على مجلس الوزراء الانعقاد في الوقت الحاضر، وسنداً للظروف الاستثنائية».

ad

ولكن اعتماد صيغة المراسيم الجوالة يشكّل مخالفة وانتهاكاً للدستور، لأنّ انعقاد مجلس الوزراء في حالة الضرورة أمر حتمي، حيث تنص المادة 62 من الدستور: «في حال خلو سدّة الرئاسة لأي علّة كانت تناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء»، وتنص الفقرة الخامسة من المادة 65 من الدستور: «يجتمع مجلس الوزراء دورياً في مقرّ خاص»، وتنص الفقرة الثانية من المادة 64 من الدستور: «تمارس الحكومة صلاحياتها قبل نيلها الثقة وبعد استقالتها أو اعتبارها مستقيلة بالمعنى الضيّق لتصريف الأعمال» لا سيما بعدما نقل الدستور اللبناني صلاحيات رئاسة الجمهورية إلى «مجلس الوزراء» كهيئة دستورية جماعية وليس إلى مجموعة أفراد هم الوزراء الذين يتألف منهم مجلس الوزراء؛ وبعدما خاطب المشرّع الدستوري في المادة 64 من الدستور «الحكومة» مباشرةً، كهيئة جماعية أيضاً، مميّزاً بينها وبين مجموع أعضائها الوزراء عندما خاطبهم في المادة 66 من الدستور، قاضياً بوجوب أن يتحمل «الوزراء» إجمالياً تجاه مجلس النواب تبعة سياسة الحكومة العامة. وهذا ما يؤكده البروفيسور بيار باكتيه والبروفيسور فرديناند سوكرامانيان، اللذان يريان بأنه على الرغم من أن الجمهورية الفرنسية الخامسة لا يمكن استيعابها في نظام برلماني، ولكن حكومتها تشكل هيئة جماعية وتضامنية. وهذا يعني أن الحكومة لها وجود خاص، يختلف عن وجود أعضائها الوزراء، فالحكومة هيئة جماعية هرمية ومنظمة.

Bien que la Cinquième République ne puissent être assimilée à un régime parlementaire, le gouvernement forme un organe collégial et solidaire. Elle signifient que le gouvernement est doté d’une existence propre, distincte de celle de ses membres… Le gouvernement est un organisme structuré et hiérarchisé, de forme pyramidale. (V. Pierre Pactet et Ferdinand Mélin-Soucramanien, Droit constitutionnel, 30éd, Sirey, 2011, P.433 et 434).

وفي تقرير المستشارة المقرِّرة في مجلس شورى الدولة الرئيسة ميشيل منصور في تاريخ 26/5/2021 في الطعن بمرسوم تمديد حالة الطوارئ رقم 6881 تاريخ 18/8/2020 قُضي بأنّ «الطبيعة الكارثية لانفجار المرفأ تؤدّي إلى إيجاد حالة طارئة بحيث لا تحول استقالة الحكومة دون اجتماع مجلس الوزراء المستقيل واتّخاذه أعمالاً تصرّفية استثنائية لمواجهة هذه الحالة». الأمر الذي يُفهم منه أنّ حالة الضرورة تسمح للحكومة باستعادة كامل صلاحياتها الضرورية من أجل مواجهة الحالات الطارئة، وكل ذلك تحت رقابة القضاء الإداري وإشرافه. أما إقرار المراسيم بدون اجتماع مجلس الوزراء، كإقرارها بصيغة المراسيم الجوالة، يجعل منه عملاً صادراً عن سلطة غير مختصة، مما يوجب إبطال هذه المراسيم.

كما اعتبر تقرير القاضية منصور أنّ «الظرف الاستثنائي يسمح للإدارة بتخطّي بعض الشروط القانونية، لكنّ ذلك يصحّ فقط عندما تكون السلطة الصالحة لاتخاذ قرار ما واقعة في عجز يحول دون اتخاذها القرارات المطلوبة»، مما يعني بأنّ الظرف الاستثنائي الذي يجيز تخطي الشروط الدستورية، كانعقاد مجلس الوزراء في حالة الضرورة، لا يكون استثنائياً من الناحية القانونية، إلا إذا كان صادراً بحالة عجز السلطة التنفيذية عن تأدية مهامها بصورة طبيعية. ولكن أين هو هذا العجز، في ظل إمكانية اجتماع الوزراء المعارضين، مع سائر زملائهم في المجلس لاتخاذ القرارات التي تصبّ في الصالح العام وتحافظ على أمن البلد وسلامته؟ وما يؤكّد صحة هذا التوجه، ما ورد بتقرير القاضية منصور لجهة «أنّ القرار الذي لم يتمّ اتخاذه في مجلس الوزراء كان بإمكانه الانعقاد عملاً بما سبق بيانه أعلاه، يعني أنّه صادر عن سلطة غير مختصة». وفي نفس السياق، يرى دولة الرئيس حسين الحسيني بأنّ: «صيغة المراسيم الجوالة ليست دستورية وإذا سبق واعتمدت سابقاً فالأسباب تتعلق بالحرب وتعذر التنقل. حيث كان مجلس الوزراء منقسماً يومها والظروف كانت مغايرة ما ينفي إمكانية تطبيق مثل هذه الصيغة اليوم». ويقول: «يحق لحكومة تصريف الأعمال أن تنعقد لأن تصريف الأعمال ليس بحجم العمل بل بأهميته وضرورته، وإذا كان لهذا العمل أجلٌ محدد فيجب عدم تأجيله كالموازنة مثلاً، أو أي قرارات مالية يعرّض عدم البت بها البلد لمخاطر معينة». وبالتالي، فلا قيمة قانونية لأي مرسوم جوال يصدر في غياب وجود نص قانوني يجيزه ويوضح مفاعيله القانونية.

كما أنّ اعتماد آلية المراسيم الجوالة فيه ضرب لصلاحيات رئيس الوزراء، الذي «يدعو مجلس الوزراء إلى الانعقاد ويضع جدول أعماله» وفقاً لمنطوق الفقرة السادسة من المادة 64 من الدستور؛ ناهيك عن أنّ صيغة المراسيم الجوالة تؤدي فعلياً إلى تحويل الوزراء إلى رؤساء جمهورية، يملكون كوكلاء صلاحيات لا يملكها رئيس الدولة الأصيل، خصوصاً في مجال السلطة الإجرائية؛ فإصدار المراسيم الجوالة في حالة الشغور الرئاسي، تحتاج لتوقيع جميع الوزراء، أي توقيع 24 وزيراً عليها، كل واحد منهم في مكان توقيع رئيس الجمهورية. وبالتالي، ماذا يحدث لو رفض أحد الوزراء التوقيع على المرسوم الجوال، كيف سيتمّ تسيير شؤون الناس الصحية والمؤسسات العامة؟ وكيف سيتم الحرص على سلامة الدولة وأمن المجتمع وتسيير المرافق العامة؟ ولذلك ترى بأنّ مجلس شورى الدولة اعتبر في القرار 74، تاريخ 16/11/1995، بدعوى اللواء منير محمود مرعي/ الدولة، مجلة القضاء الإداري في لبنان، العدد 10، 1997، ص 111-127؛ وفي القرار 164، تاريخ 19/12/1996، بدعوى اللواء منير محمود مرعي/الدولة، في مجلة القضاء الإداري في لبنان، العدد 12، 1998، ص 175: أنّ القول بوجوب توقيع جميع الوزراء على مراسيم حكومة الرئيس ميشال عون الانتقالية التي كانت تتولى وكالةً صلاحيات رئيس الجمهورية، يعدّ ضرباً لقاعدة الأكثريّة والأقليّة، وانتهى مجلس الشورى للقضاء بقانونية مراسيم عون، رغم عدم تضمّنها تواقيع جميع الوزراء.

صفوة القول، إنّ اعتماد فكرة المراسيم الجوالة التي تستوجب إجماع الوزراء مرفوضة جملةً وتفصيلاً لانتهاكها أحكام الدستور؛ والمادة 62 من الدستور تمنح الحكومة حق ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية وكالةً ضمن نطاق تصريف الأعمال عملًا بأحكام الفقرة الثانيّة للمادة 64 من الدستور، وانعقاد مجلس الوزراء في حالة الضرورة، كمؤسسة دستورية جماعية، هو حتمي لتسيير شؤون البلاد. وهذه الحالة ليست جديدة في الحياة السياسية والدستورية اللبنانية، فلقد سبق لحكومة الرئيس رشيد كرامي المستقيلة عام 1969 أن عقدت جلسة مجلس وزراء لإقرار الموازنة، الأمر الذي يؤكّد بأن حكومة الرئيس ميقاتي، من الناحية الدستورية يجب أن تنعقد دوماً كلّما وجدت حالات طارئة لا تحتمل التأجيل.