IMLebanon

«كنز» لا يكفي!

لكثيرين أن يأخذوا جانب الحذر في تصديق الفرضية المتحدثة عن خلاف جدّي واستراتيجي بين الروس والإيرانيين في شأن الوضع السوري ومآلاته الأخيرة.. لكنني سأتكل على الله مثلما أفعل دائماً وأبداً، وأفترض أن مقولة «ما بعد حلب غير ما قبل حلب» لا تصحّ على شيء بقدر ما تصحّ على العلاقات البينية بين هذين البلدين الذاهبين في هذه الدنيا إلى ترجمة نزعات التفوق فيهما! وتأكيد مركزية دورهما! وأرجحيته وتقدمه على ما عداهما! حتى لو كان حجم اقتصاد كل منهما، لا يقترب من حجم اقتصاد دولة أوروبية واحدة هي إسبانيا مثلاً!

والواضح في السياقات العريضة أن موسكو وطهران وجدتا في نكبة سوريا منافع كبرى! وكلما زادت وطأة النكبة وظواهرها زادت تلك المنافع ووطأة الدور المرتجى! وهذه لعمري لفتة لم يفوّت مستر أوباما فرصة التقاطها وتعيير روسيا بها انطلاقاً من مقولته الشهيرة «إنها لا تملك ما تصدّره للعالم سوى السلاح والنفط» .. أي أنها تستثمر في النكبات والأزمات بحثاً عن دور كبير لا تملك من مقوماته ما يوازيه أو يغطيه أو يبرره، أكان ذلك على صعيد الفنون أو العلوم الطبية أو التكنولوجيا الفائقة التطور أو أي منتج يخدم البشرية في عالم اليوم!

والقياسات ذاتها تسري وبعمق أكبر، على الطموح الإيراني. بل أن الروس في مكان آخر مقارنة بالإيرانيين! خصوصاً في التصنيع العسكري والعلوم الفضائية، والموروث الأدبي الخالد الذي بلغ ذروته في القرن التاسع عشر ومطالع القرن العشرين قبل أن تشرّع ثورة البلاشفة في تحطيمه وتجفيف منابع إبداعاته.. وإلى الأبد على ما يبدو!

ولذلك، فإن نكبة السوريين كنز بالنسبة إلى الدولتين! مثلما أن نكبة اليمنيين وقبلها نكبة العراقيين وإلى حد ما نكبة اللبنانيين، تعتبر في حاصل جمعها الإيراني، فتحاً سماوياً تاماً! وتعزيزاً لـ»قيم» «الثورة»، وتأكيداً لـ»عظمة» إيران في التاريخ والجغرافيا! عدا اشتمالها على مؤشرات وألطاف ربانية باتجاه «الفئة الناجية»!

المفارقة أن «الكنز» السوري هذا لا يكفي مشروعين إمبراطوريين كبيرين وجدّيين مثل المشروعين الروسي البوتيني والإيراني المرشدي! عدا كون موسكو معنية بأمور كثيرة وبأدوار تتصل بالأرض وباطنها أكثر بكثير من تلك التي تعتمدها إيران وتصل فيها إلى سابع سماء! والواضح أن الافتراق في أجندات الطرفين، كانت تطمسه سابقاً «قبل معركة حلب» ضرورات منع بقايا سلطة الرئيس السابق بشار الأسد من السقوط والانهيار.. لكن طالما أن الخطر تراجع بعد تراجع المعارضة السورية في نقطة مركزية ومحورية، فإن «بعض التفاصيل» تصير كافية لإظهار افتراقات في العموميات والاستراتيجيات، كأن تقول موسكو مثلاً إن المرحلة الآتية هي للبحث في الحل السياسي، في حين تنكفئ طهران خلف تابعها الدمشقي للقول بالذهاب في الحرب «حتى القضاء على الإرهاب» في كل سوريا!

الواضح حتى الآن أن موسكو تتحكم بمسار الأمور برغم انفلات الإيرانيين في معركة وادي بردى.. تتفاهم مع الأتراك وتنتظر دونالد ترامب لتبلور معه «تفاهماً» آخر إزاء سوريا. وسيكون خطأ قاتلاً، إذا ظنّ الإيرانيون بأن ذلك «التفاهم» سيتعلق بالإرهاب الفعلي والمفبرك فقط! والاستانة علامة على ذلك الطريق مثلما كانت حلب ذاتها!