Site icon IMLebanon

الكنز فوق رؤوسنا  وليس تحت أقدامنا

خير الختام هو أن يكون ختامها مسك. وبصرف النظر عن الكلام السياسي المنمق الذي يلي اليوم الثالث والأخير من جلسات الحوار، فإن النتائج العملية ستفتح باباً من بابين: اما استمرار المراوحة الجماعية في مستنقع الوحل، واما فتح باب للأمل نحو ولادة ارادة سياسية جديدة وجامعة. وغالبية من الناس تحفظ عن ظهر قلب شعار الدولة القائل نعمل من أجلكم، ولكنها لا تصدقه. وهذه الغالبية تقيس على السوابق وتردد فالج لا تعالج. ولا تنتظر خيراً من أي مجهود من هذه الطبقة السياسية، لا من الحكم ولا من الحكومة ولا من الحوار. وهذه الغالبية يصدمها أن ترى رجلاً واحداً هو الرئيس نبيه بري، يتابع بعناد مهمة مستحيلة، ويتخصص في فتح أبواب كلما أُغلقت أخرى، وينثر بذور الأمل في الأرض المفلوحة بالخلافات والصراعات والشدائد، ويتابع السير على طريقة: كل مَن سار على الدرب وصل!

الكنز الذي اكتشفه الرئيس فؤاد السنيورة في الجلسة الثانية للحوار، ربما كان تحت أقدامنا طوال الفترة الممتدة من تسعينات القرن الماضي والى يومنا هذا، من خلال الممارسة العملية والانتقائية حيناً، والكيدية حيناً آخر… والحقيقة الساطعة هي أن هذا الكنز كان دائماً فوق رؤوسنا، في دستور الطائف المكتوب بدماء اللبنانيين بعد حربهم الطويلة المشؤومة. وعدم رؤيته من قبل غالبية من الطبقة السياسية كل هذا الزمن الطويل، يعود الى أنها كانت تتطلع دائماً الى ما تحت الأقدام، وليس الى ما فوق الرؤوس! ومن المفارقات ، أن بعض مكوّنات الوطن ثار غاضباً ومنتفضاً انتصاراً ل الطائف في مواجهة مبادرة المجلس التأسيسي، ولكن عندما يوضع هذا البعض أمام امتحان السير ب الطائف كاملاً ودون انتقائية، فإنه يتلكأ ويتلعثم ويصاب بالمغص، ويهرول مسرعاً الى المغاسل!

لا ريب في أن انتخاب الرئيس له الأفضلية الأولى والقصوى والملحة. غير أن المبالغة في تضخيم هذه المسألة كان يتخذ غالباً منحى المطالبة بحق يراد به باطل. وهذا ما جعل من الاستحقاق الرئاسي مدخلاً الى الأزمة المغلقة وليس الى الحل المبين، باشاعة وهم أن الرئيس المنتظر هو المنقذ المنتظر. ومن يعمل لغده عليه أن يبدأ في يومه وحاضره. وجلسة الحوار الثانية فتحت ثغرة أمل بالدخول الى اصلاح النظام باستكمال تنفيذ دستور الطائف، بدلاً من الاستمرار في جدل المواقف البيزنطية. ومعنى انسداد كل الطرق والمسالك في ظل الأزمة الراهنة هو أنه وصلنا الى وضع يتعذر اضافة أية رقعة جديدة الى ثوب مصنوع من الرقع، أو وصلنا الى نهاية المطاف…

الفرادة اللبنانية شاءت أن يكون لبنان متميزاً عن محيطه في السراء والضراء، وفي الحرب والسلم، وأن يكون في خط معاكس… فعندما اتجه المحيط العربي بعد الاستقلال الى اقامة أنظمة شمولية ملكية وجمهوريات وراثية، اتجه لبنان الى اقامة نظام ديموقراطي برلماني على قاعدة تداول السلطة. وعندما كان المحيط العربي رافلاً بالاستقرار والبحبوحة والازدهار، اتجه لبنان الى حرب داخلية مدمرة لنحو عقد ونصف العقد. ولأن الأجواء الاقليمية موبوءة اليوم بالحروب الطائفية والمذهبية، فهذا يعني أنها الاشارة المنتظرة ليسير لبنان في الاتجاه المعاكس، ويضع اللبنات الأولى لاقامة دولة مدنية على المدى المتوسط أو الطويل… وخير الحوار أن يكون ختامه مسكا!