اليوم يعيد التاريخ نفسه، ولكن بدلاً من الخطط الأمنية هناك خطط الأمن الغذائي، إذ بدأت تظهر في مكبات النفايات لحوم فاسدة ودجاج فاسد، وواضحٌ أنَّ أصحابها يسابقون الوقت في التخلص منها استباقاً لأيِّ مداهمات.
***
ولكن هل تكفي عمليات التخلص من المواد الفاسدة للإفلات من العقاب؟
هذا جزءٌ من المشكلة يُظهر أنَّ جبل الفساد كبيرٌ جداً ومرتفعٌ جداً، ولا تكفي براميل النفايات لاستيعابه.
بالأمس كان هناك إحتفال في صيدا للبدء بإزالة جبل النفايات، من عاصمة الجنوب، بعدما كان عصيًّا، فهل يُعقَل أن يُزال جبلٌ من مدينة ليتحوّل البلد كله إلى جبل نفايات؟
كان يُقال عن البلد هنيئاً لمن له مرقد عنزة في جبل لبنان، اليوم أصبح جبل نفايات فلن يهنأ أحدٌ في البقاء فيه، لا عنزةً ولا إنساناً.
ما يجري صراعٌ قاس جداً بين وزارة الصحة وبعض مافيات المواد الغذائية، هؤلاء، ككل سنة، يتحضرون لاستهلاك الأعياد فيُخزِّنون المواد تمهيداً لطرحها في الأسواق، في الأسبوعين الأخيرين اللذين يسبقان الأعياد. معظم هذه المواد تكون إما منتهية الصلاحية وإما اقتربت من أن تكون منتهية الصلاحية، وتكون في أغلبها من اللحوم والدجاج، فأيُّ لحوم وأيُّ دجاج يأكل اللبنانيون في الأعياد؟
المسألة هنا لا تتعلَّق فقط بالتخزين، بل بالقانون الذي يتيح الإستيراد، ووفق أيِّ مهلة. ففي القانون اللبناني فإنَّ المهلة بين الإستيراد والإستهلاك قصيرة نسبياً، وقد وُضِعَت هذه المهلة بسبب انخفاض أسعار السلع التي تقترب من إنتهاء مدة الصلاحية. وعلى سبيل المثال لا الحصر فإنَّ المواد التي تُنقَل من البرازيل إلى لبنان تستلزم بين التحميل في المرافئ البرازيلية ووصولها إلى السوبرماركت في لبنان، نحو شهرين، ولا شيء يضمن بيعها من اليوم الأول أو الأسبوع الأول، وعند شرائها وتخزينها في برادات المنازل أو المطاعم تكون قد اقتربت من إنتهاء مهلة الصلاحية أو انتهت مهلة الصلاحية، فتبدأ رحلة التسمُّم مع تقديمها إلى الموائد، سواء في المنازل أو في المطاعم.
***
هنا، السؤال الذي يطرح نفسه هو:
لماذا لا يتمُّ تعديل القانون لجهة جعل مدة الصلاحية عند الإستيراد سنة بدلاً من الستة أشهر؟
هل لأنَّ أرباح التجار تنخفض قليلاً فلا تعود مئة في المئة أو سبعين في المئة؟
إنَّ ما يقوم به وزير الصحة وائل أبو فاعور خطوة جبارة وجريئة، لكنَّه يعالج المرحلة الأخيرة وهي حين تصل السلعة إلى المستهلك. المطلوب ضبط الفساد في القانون قبل ضبطه في البرادات، فالمشكلة تبدأ في القانون وتنتهي في البرادات وعليه المعالجة من البداية وليس من النهاية.
***
نعرف أنَّ مسألة تعديل القوانين في الظروف الراهنة صعبٌ جداً، في حكومةٍ من أربعة وعشرين رأساً، لكن بالإمكان التشدد في المراقبة إلى حين القدرة على تعديل القوانين، وإلى حين صدور قانون سلامة الغذاء… وحتى ذلك الحين، أعان الله اللبنانيين على الفساد الذي ينخر دولتهم حتى العظم.