IMLebanon

معالجة السمّ بالسمّ

ليل الجمعة الاسود في باريس يضاهي بخطورته صباح 11 أيلول الاميركي. تلك الصبيحة التي لا تنسى حصلت فجأة… هذه تأتي في ذروة استنفار وحرب عالمية مستمرة على الارهاب غيرت انماط التعامل الدولي وبدلت وجه هذا الشرق. سبع هجمات متزامنة ومتقنة في قلب العاصمة الفرنسية، اعقبت تفجير طائرة روسية بركابها في الجو. هذه الارتكابات الفظيعة مثلها مثل اسقاط البرجين في نيويورك، لايخطط لها إلا عقل جهنمي يحتاج فقط الى منفذين مغسولي الدماغ ومجردين من الاحساس ومن العقل. تغير اسم المتهم لكن النتيجة واحدة: دم كثير يثير الصدمة والذهول والتضامن وينمي التعصب الوطني لا بل العنصري أيضاً، تليه اجراءات غير مسبوقة من الدولة المستهدفة والحلفاء تمهد لتغيير المعادلات في ارض الآخرين، بالذريعة نفسها: القضاء على الارهاب في مهده.

“القاعدة” تباهت بمسؤوليتها عن جريمة 11 أيلول، فكان الرد الاميركي ابتلاع أفغانستان بسبب والعراق من دون سبب. بعدها تساقطت أنظمة وتغيرت خرائط وتلاشت دول وأزهقت أرواح وانهارت اقتصادات. بعد 14 سنة من اليوم المشؤوم، هرمت “القاعدة” من غير ان تشيخ، ومن ثناياها ولد “داعش” الذي صار عنواناً للتوحش.

“داعش” صبغ ثلث العراق باللون القاني. هتك نصف اراضي سوريا. أدمى ضاحية بيروت. جعل ليبيا فزاعة بسكينها. حولت يده الطولى حياة الفتيات في نيجيريا جحيماً. أبدع في فنون القتل وتدمير الشواهد الانسانية، ومع ذلك اكتفى العالم باعلان ائتلاف عسكري ضده، جل انجازاته بعد سنتين من انطلاقه رسم حدود الاكراد في العراق، وتدريب الطيارين الجدد على اصابة الاهداف الخالية من بُعد.

الغضب الاوروبي في أوجه بعد المجزرة الباريسية، والادانة الدولية عارمة، والمجتمعات الغربية في اقصى استنفارها الوطني، والنزعة الشوفينية في أقصى تجلياتها، والاساطيل بطائراتها والصواريخ جاهزة للمعركة… ولكن هل تخاض هذه الحرب كما خيضت سابقتها على “القاعدة”؟ وكيف لها ان تنجح فيما كل طرف فيها ينظر اليها من زاوية مصالحه الخاصة؟ وهل يمكن القضاء على الارهاب من دون تسويات سياسية للازمات المشرقية المستعصية تحقق التوازن بين افرقائها؟ وكيف تستقيم التسويات في مجتمعات نخرتها الطائفية والاتنية بلا ديموقراطية؟ وكيف يؤسس لنخب ترغب فعلاً في الانعتاق من التوتاليتاريات السياسية والدينية والتأسيس لديموقراطيات، ونواتها الآن يحاصرها حتى الاختناق تطرف ديني ترتفع حرارة تعصبه على نار القصف الخارجي، وغرب مؤثر وفاعل صار رأيه العام معبأ لنبذهم بالجملة على الهوية؟ وكيف لغرب ان يعالج بالمراهم الخارجية آفة مستعصية ساهم في تفشيها وتعميقها حتى وصلت الى العظام؟ وكيف لهذا الشرق الطريح ان يعالج نفسه من السم الذي استعمله مخدراً لشعوبه حتى التلاشي والجنون؟