IMLebanon

«مثلث الموت» المغربي و«الغزوة» الكبرى!

كان الرئيس الحبيب بورقيبة يشكو دائماً من جغرافية بلاده التي ظلمتها وأربكتها إلى درجة الحصار. كان يتألم من محاصرة تونس بين «جنون» القذافي، و«استعلاء« هواري بومدين واستقواء الجزائر الدائم ضد تونس الصغيرة. أكثر ما كان يرفع منسوب هذا الألم البورقيبي أن الجارتين كانتا بحاجة إلى تونس، لأن «بواباتها» شكلت مسارب دائمة للتهريب من الولاعة إلى البرادات وخصوصاً الكحول في الفترات الإسلامية للقذافي وحتى في الجزائر. لم تتوقف هذه الحالة المعقدة إذ استمرت بطرق ووسائل أخرى. الطريف أن تونس التي كانت دائماً هي «الخائفة» من جارتيها، كانت في الواقع تقلقهما وتثير أمام النظامين ألف سؤال وسؤال حول مرور أفكار وقواعد المجتمع المدني. ثم عندما وقعت انتفاضة محمد بوعزيزي، بدت الجزائر الأكثر قلقاً، في حين أن معمر القذافي الذي كان يعتبر نفسه خالداً لن يشاركه أحد في حكم ليبيا ونفطها، لم يأخذ في الاعتبار أن رياح التغيير هبت ولن تحل «اللجان الثورية« التي لم تكن أكثر من تأطير للجهوية ولزرع التنافس والكراهية في ما بينها دون وقوع ثورة 17 فبراير.

هذه الاستعادة للجغرافيا وللتاريخ مقدمة ضرورية لفهم ما يجري اليوم في «مثلث» شمال إفريقيا الذي يضم ليبيا وتونس والجزائر. هذا المثلث المفتوح على العواصف والأخطار والذي يجعل التدخلات الأجنبية حالياً نوعاً من الدفاع الذاتي قبل أن يكون تخطيطاً للاستيلاء على النفط والمواقع الاستراتيجية.

بداية ليبيا، التي فشل الغرب وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا في تنفيذ «الخطوة التالية» بعد سقوط القذافي، مقسمة ومشرذمة ومأخوذة بقوة السلاح من قوى محلية كما هو معلن لكنها واقعياً مرتبطة بقوى خارجية. حالياً الجنرال حفتر القادم من الماضي بكل ماضيه المعقد، يريد «تحرير» ليبيا من الشرق وعاصمته بنغازي. حقق حفتر بعض النجاحات، لكنه ما زال محاصراً من شرقه بدعم مصري محدود، ومن غربه في مصراته وسرت بداعش. ما لم يتم التعامل بسرعة وحسم دولي ومصري وحتى جزائري مع التنظيمات الإسلامية والداعشية التي تمسك بالمدن، فإن ليبيا مؤهلة جغرافياً وسياسياً لتتحول «منصة» عائمة في البحر المتوسط لـ»غزو» جنوب أوروبا، ورمالاً عاصفة باتجاه الجنوب الإفريقي، وغرباً من المجموعات الإسلامية الداعشية بكل وسائل القتال والرجال كما حصل في بن قردان المدينة التونسية الحدودية التي كانت وما زالت تعيش من «التهريب» بكل أنواعه.

أما تونس الجريحة، فإنها ستبقى إلى أمد طويل موقعاً لاختبار كل «مواليد» و»فنون» الإرهاب الداعشي اليوم وربما أخطر منه غداً. رغم أن تونس تمتلك مجتمعاً مدنياً وطبقة متوسطة أنتجها بورقيبة وقلّم أظفارها بن علي، إلا أنها أيضاً تشكل خزاناً احتياطياً لكل التطرّف الإسلامي. في تونس حسب كل التقديرات 5500 إرهابي إسلامي، إلى جانب المئات في أوروبا.

فشل إقامة «إمارة» في بن قردان، خبر مفرح. مشاركة أهالي بن قردان في مواجهة «الغزاة»، مهمة جداً لتأكيد رفض المجتمع الأهلي الغزو الداعشي. لكن هذا لا يكفي، وما لم يتم دعم هذه «المقاومة»، بالعمل التثقيفي وبالدعم الاقتصادي ورفد سوق العمل بمشاريع منتجة، ستتكرر عمليات الغزو من بوابات تونس المفتوحة على ليبيا أولاً والجزائر ثانياً.

مشكلة تونس الكبرى مع ليبيا حالياً واقعية لأن ليبيا وسط دائرة النار. المشكلة الكبرى في الجزائر. تردد الجزائر وعدم حسمها لمواقفها، يرفعان من منسوب الخطر. تعلم الجزائر أن ضرب «داعش« في ليبيا صعب وسهل. المقصود أنه يمكن بالتوافق والتفاهم مع فرنسا والولايات المتحدة الأميركية محاصرة المجموعات الداعشية والقضاء عليها مع الوقت، لأنها ستكون محاصرة بين البحر والصحراء. لكن الجزائر ترفض حتى الآن هذا التدخّل وإن كان يتم حالياً التمهيد له عسكرياً، ولا سيما بوجود 60 مستشاراً فرنسياً وربما أكثر، وعدد مجهول من الأميركيين وسط الصمت المطبق. بدورها لا تريد الجزائر أن تتدخّل ولو بمشاركة مصرية. تردد الجزائر نتاج مرورها في فراغ سياسي معقد بسبب المرحلة الانتقالية وذلك ليس فقط بسبب حالة الرئيس بوتفليقة الصحية وإنما الأهم في عملية صياغة نظام سياسي يُخرج الجزائر من حكم «أشباح» الأمن و»العسكر»، وإقامة مؤسسات متوازنة حيث لا يلغى «العسكر» ولا يستمرون في الجلوس على «صدر» الجزائر، خصوصاً بعدما ثبت أن «الجنرالات» الذين حكموها وأبرزهم خالد نزار ومحمد التواثي والذين كان يطلق عليهم «حزب فرنسا»، كانوا فعلاً «فصيلاً« فرنسياً تسلل إلى الثورة وألقى «القبض» على الدولة الجزائرية واستمر في تقييدها والاستيلاء على ثرواتها حتى أصبحت الجزائر بلاداً بلا تنمية ومجتمعاً شبابياً يبحث عن لقمة العيش في متاهات الغربة الأوروبية.

المشرق العربي، اشتعل واحترق ولن يقوم لعقود طويلة من تحت الرماد. أما المغرب العربي فإنه إذا اشتعل فويل للضفة الشمالية الأوروبية من البحر المتوسط. في تلك اللحظة تبدأ من «مثلث الموت» أي ليبيا وتونس والجزائر، «الغزوة الكبرى» التي يحلم بها «داعش».