عاد موسم الحرائق في الأيام القليلة الماضية بوتيرة متسارعة ليلتهم الأحراج في حامات وصاليما وبزبدين وحاصبيا، كما في بكركي وبعقلين وشكا وراس مسقا ودده والبترون وسواها، فيما أفادت أرقام المديرية العامة للدفاع المدني عن إخماد عشرات حرائق الأعشاب في مناطق مختلفة خلال 72 ساعة. إلا أن الكارثة الأكبر حلّت بأحراج القبيات. ففي وادي الغميق في القبيات، بين «سهلات العليّة» وصولاً إلى أطراف محميّة جرد القبيات، التهمت النيران التي اندلعت مساء الجمعة ولم يتم السيطرة عليها تماماً إلا أمس نحو 800 ألف متر مربع من أشجار الصنوبر يفوق عمرها المئة عام. وهدّدت السنة اللهب محميّة «كَرْم شباط»، وهي غابة يفوق عمرها ألف عام وتضمّ أشجار صنوبر وأرز ولزاب وشوح. وأوضح رئيس بلدية القبيات عبدو عبدو أنه تمّ فصل المحميّة عن الحريق «عبر قطع بعض أشجار الصنوبر والسنديان لوقف امتداد النيران». اندلاع الحريق في منطقة حرجية بعيدة عن المنازل «يستغرق الوصول إليها نحو ساعة» وفق عبدو، صعّب عملية وصول عناصر الدفاع المدني خصوصاً أنها منطقة «تلال ووديان».
إشارة مدير العمليات في الدفاع المدني العميد ريمون خطار في الى «وجود حرائق مفتعلة ومتعمدة»، أعادت إلى الواجهة آلية مراقبة الأحراج ودور البلديات وضرورة تعديل قانون المحافظة على الثروة الحرجية.
وفي هذا السياق، لفت عبدو إلى أن البلدية «تملك برج مراقبة وتحاول وفق إمكاناتها تغطية المساحات الشاسعة من الأراضي الحرجيّة». لكنّ تلك المهمّة مولج بها إلى جانب البلديات مأمورو الأحراج وحرّاسها الذين لا يتعدّى عددهم العشرين في القبيات ومحيطها، وهؤلاء «يجب زيادة عديدهم»، إضافة إلى «أن العاملين في مركز القبيّات الإقليمي في الدفاع المدني هم من المتطوّعين غير المتفرغين». وبينما واجه عناصر الدفاع المدني صعوبة في الوصول إلى داخل الغابة لعدم وجود طرقات الناشط البيئي في البلدة جورج كرم إلى «فتح طرقات ضمن الغابة تكون مراقبة ومقفلة ولا تفتح إلاّ في وقت الحاجة وفي حال حدوث حرائق». فيما يشدد البيئيّون على أهمية تشحيل الأشجار وتقليمها لديمومة الأشجار الصمغيّة وعدم يباسها وتعرّضها للحرائق. إذ أن القانون المعمول به حالياً (رقم 85 لعام 1991) الرامي إلى المحافظة على الثروة الحرجية والأحراج يمنع في المادة الأولى منه «قطع واستثمار وتصنيع جميع الأشجار الصمغية من أنواع الصنوبر الجوي والصنوبر الحلبي وأرز لبنان واللزاب والشربين والسرو والشوح وسائر الأشجار الصمغية الأخرى الموجودة ضمن الأحراج ملك الدولة أو ملك البلديات والقرى أو ملك الأفراد». وعليه يعتبر خبير الأحراج والنظم البيئية فادي أسمر أنه من الضروري «تحديث القانون كما يجري حالياً في وزارة الزراعة»، على أساس قانون الغابات لعام 1949 الذي يسمح على عكس القانون الجديد بالتفريد الفني للأنواع نفسها من الأشجار الصمغيّة. لكن ذلك يجب أن يتمّ «ضمن خطط تضعها وزارة الزراعة مع إعادة النظر بأهميّة السماح بتنظيم الرعي وإقامة المشاحر والقطع في حالات الضرورة، وغيرها من الممارسات التي تخدم الغابات فيما لو عُمل بها ضمن خطط واقعيّة». ويبرّر بأن «قطع الصنوبر وتشحيله، خصوصاً الجوي منه، ضروري لأنه يتكاثف ويتعرّض لليباس ويصبح طعماً للحرائق»، مؤكّداً أن «معظم الحرائق في المتوسط سببها الإنسان، سواء كانت مفتعلة أو نتيجة حوادث يتسبّب بها الإنسان نفسه».